السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مختصر كتاب صفة صوم النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فهذه رسالة لطيفة، اختصرتها من الكتاب النافع صفة صوم النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان للشيخ سليم بن عيد الهلالي، والشيخ علي بن حسن الحلبي حفظهما الله.
والهدف من اختصار هذه الرسالة تيسير العلم على عامة الناس.
وأسأل الله العلي القدير أن ينفع بهذه الرسالة، وأن يجعل لها القبول، والله الموفق.
وكتبه: مجدي بن عبد الوهاب الأحمد
أبو مسلم
19شعبان 1418 هـ
فضائل الصيام:
جاءت آيات بينات محكمات في كتاب الله المجيد، تحض على الصوم؛ تقرباً إلى الله عز وجل، وتبين فضائله؛ كقوله تعالى:{وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب: 35].
وقال تعالى: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184].
وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصوم حصن من الشهوات لقوله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة (هي المقدرة على الزواج بأنواعها كافة) فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء(المراد: قطع شهوة الجماع)» [البخاري (5065) ومسلم (1400)].
يتبين لك أخي المسلم من هذا الحديث أن الصوم يقمع الشهوات، ويكسر حدتها، وهي التي تقرب من النار، فقد حال الصيام بين الصائم والنار.
لذلك جاءت الأحاديث مصرحة بأنه حصن من النار، وجُنَّةٌ (أي: وقاية) يستجن بها العبد من النار، قال صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله، إلا باعد الله بذلك وجهه عن النار سبعين خريفا» [البخاري (2840) ومسلم (1153)].
وقال صلى الله عليه وسلم: «الصيام جنةٌ يسْتَجَنُّ بها العبد من النار» [صحيح الترغيب (970)].
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "يا رسول الله! دلني على عمل أدخل به الجنة"، فقال صلى الله عليه وسلم: «عليك بالصوم، لا مثل له» [صحيح سنن النسائي ( 2097)].
فضل شهر رمضان:
رمضان شهر خير وبركة، حباه الله بفضائل كثيرة؛ منها: أن الله عز وجل أنزل فيه القرآن هدى للناس، وشفاء للمؤمنين.
قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة : 185].
وفي شهر رمضان ليلة هي عند الله عز وجل خير من ألف شهر؛ ألا وهي ليلة القدر، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} [القدر: 1: 5].
وفي هذا الشهر تصفد الشياطين، وتغلق أبواب النيران، وتفتح أبواب الجنان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء رمضان؛ فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النيران، وصفدت الشياطين» [البخاري (3277)، ومسلم (1079)].
أحكام الصيام:
النية (النية محلها القلب، والتلفظ بها بدعة، وإن رآها الناس حسنة):
إذا ثبت دخول رمضان بالرؤية البصرية، أو الشهادة، أو إكمال العدة، وجب على كل مسلم مكلف أن ينوي صيامه في الليل، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له» [إرواء الغليل (914)] (وتبييت النية مخصوص بصيام الفريضة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأتي عائشة في غير رمضان، فيقول: «هل عندكم غداء؟ وإلا فإني صائم» [مسلم (1154)].
ومن أدرك شهر رمضان وهو لا يدري، فأكل وشرب، ثم علم فليمسك، وليتم صومه، ويجزؤه ذلك.
وقت الصوم:
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: "لما نزلت هذه الآية: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة: 187]؛ قال: "فكان الرجل إذا أراد الصوم؛ ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد ذلك: {مِنَ الْفَجْرِ}، فعلموا أنما يعني بذلك الليل والنهار". [البخاري (1917) ومسلم (1091)].
* الفجر فجران:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الفجر فجران: فأما الأول؛ فإنه لا يحرم الطعام ولا يحل الصلاة» [الصحيحة (693)] (يسمى الفجر الكاذب: هو البياض (الضوء) المستطيل الساطع المصعد؛ كذنب السرحان أي : الذئب)، وأما الثاني؛ فإنه يحرم الطعام، ويحل الصلاة (يسمى الفجر الصادق: هو الأحمر المستطير أي ينتشر بياض الأفق معترضاً، وهذا هو الذي تتعلق به أحكام الصيام والصلاة).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد» [الصحيحة (2031)] (قال ابن الأثير في "النهاية": أي: لا تنزعجوا للفجر المستطيل فتمتنعوا به عن السحور) وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر(قال الخطابي في معالم السنن: "ومعنى الأحمر هاهنا: أن يستبطن البياض المعترض أوائل حُمْرَةٍ، وذلك البياض إذا تتام طلوعه، ظهرت أوائل الحمرة". [ط / دعاس (2/760)].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الفجر ليس الذي يقول هكذا - وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض، ولكن الذي يقول هكذا - ووضع المسبحة على المسبحة ومد يديه» [البخاري (621)، ومسلم (1093)].
* ثم يتم الصيام إلى الليل:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس؛ فقد أفطر الصائم» [البخاري (1954)، ومسلم (1100 )].
وهذا أمر يتحقق بعد غروب قرص الشمس مباشرة، وإن كان ضوؤها ظاهراً، فقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا كان صائماً أمر رجلاً، فأوفى (أي: أشرف وأطلع) على شيءٍ، فإذا قال: "غابت الشمس"؛ أفطر [صحيح ابن خزيمة (2061)].
* السحور:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] فكان الوقت والحكم على وفق ما كتب على أهل الكتاب أن لا يأكلوا، ولا يشربوا، ولا ينكحوا بعد النوم. أي: إذا نام أحدهم لم يطعم حتى الليلة القابلة، وكتب ذلك على المسلمين، فلما نُسخ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسحور تفريقاً بين صومنا وصوم أهل الكتاب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر» [صحيح الجامع (4207)].
والسحور بركة؛ لأنه اتباع للسنة، ويقوي على الصيام، وفيه مخالفة لأهل الكتاب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تسحروا فإن في السحور بركة» [البخاري (1923)، ومسلم (1095)].
ومن أعظم بركات السحور أن الله سبحانه وملائكته يصلون على المتسحرين، قال صلى الله عليه وسلم: «السحور أكله بركة فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين» (تنبيه: إذا أذن المؤذن وفي يدك كأس من ماء أو كنت تأكل الطعام؛ فكل وأشرب هنيئاً مريئاً؛ لأنها رخصة من أرحم الراحمين على عباده الصائمين)، [صحيح الترغيب (1062)].
* الإفطار:
قال صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون» [صحيح الترغيب (1067)].
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» [البخاري (4 /173)، ومسلم (1093)] (قال الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري (4 /199): "من البدع المنكرة ما حدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة، زعماً ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة، وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة - لتمكين الوقت زعموا -، فأخروا الفطر وعجلوا السحور، وخالفوا السنة، فلذلك قلَّ عنهم الخير، وكثر فيهم الشر، والله المستعان" بتصرف).
إذا كان الناس بخير؛ لأنهم سلكوا منهاج رسولهم، وحافظوا على سننه؛ فإن الإسلام يبقى ظاهراً وقاهراً، لا يضره من خالفه، وحينئذ تكون الأمة الإسلامية قدوة حسنة يتأسى بها، لأنها لن تكون ذيلاً لأمم الشرق والغرب، وظلاً لكل ناعق تميل مع الريح حيث مالت.
* الفطر قبل صلاة المغرب، وعلى ماذا يفطر؟
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم يكن رطبات فتمرات، فإن لم يكن تمرات؛ حسا حسوات (جمع حسوة، وهي: الجرعة من الشراب) من ماء" [إرواء الغليل (922 )].
* ماذا يقول عند الإفطار؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للصائم عند فطره دعوة لا ترد» [إرواء الغليل (903)].
ومن الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقد كان يقول صلى الله عليه وسلم إذا أفطر يقول: «ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله» [إرواء الغليل (5920)].
* ماذا يجب على الصائم تركه:
اعلم أيها الموفق لطاعة ربه جل شأنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حث الصائم أن يتحلى بمكارم الأخلاق وصالحها، ويبتعد عن الفحش، والتفحش، والبذاءة، والفظاظة، وهذه الأمور السيئة وإن كان المسلم مأموراً بالابتعاد عنها واجتنابها في كل الأيام؛ فإن النهي أشد أثناء تأدية فريضة الصيام.
لهذا جاء الوعيد الشديد من النبي صلى الله عليه وسلم لمن يفعل هذه المساوىء، فقال صلى الله عليه وسلم: «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش» [صحيح الترغيب ( 1076 – 1077)] فيجب على الصائم أن يبتعد عن الأعمال التي تجرح صومه.
يتبع.....
مختصر كتاب صفة صوم النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فهذه رسالة لطيفة، اختصرتها من الكتاب النافع صفة صوم النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان للشيخ سليم بن عيد الهلالي، والشيخ علي بن حسن الحلبي حفظهما الله.
والهدف من اختصار هذه الرسالة تيسير العلم على عامة الناس.
وأسأل الله العلي القدير أن ينفع بهذه الرسالة، وأن يجعل لها القبول، والله الموفق.
وكتبه: مجدي بن عبد الوهاب الأحمد
أبو مسلم
19شعبان 1418 هـ
فضائل الصيام:
جاءت آيات بينات محكمات في كتاب الله المجيد، تحض على الصوم؛ تقرباً إلى الله عز وجل، وتبين فضائله؛ كقوله تعالى:{وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب: 35].
وقال تعالى: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184].
وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصوم حصن من الشهوات لقوله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة (هي المقدرة على الزواج بأنواعها كافة) فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء(المراد: قطع شهوة الجماع)» [البخاري (5065) ومسلم (1400)].
يتبين لك أخي المسلم من هذا الحديث أن الصوم يقمع الشهوات، ويكسر حدتها، وهي التي تقرب من النار، فقد حال الصيام بين الصائم والنار.
لذلك جاءت الأحاديث مصرحة بأنه حصن من النار، وجُنَّةٌ (أي: وقاية) يستجن بها العبد من النار، قال صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله، إلا باعد الله بذلك وجهه عن النار سبعين خريفا» [البخاري (2840) ومسلم (1153)].
وقال صلى الله عليه وسلم: «الصيام جنةٌ يسْتَجَنُّ بها العبد من النار» [صحيح الترغيب (970)].
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "يا رسول الله! دلني على عمل أدخل به الجنة"، فقال صلى الله عليه وسلم: «عليك بالصوم، لا مثل له» [صحيح سنن النسائي ( 2097)].
فضل شهر رمضان:
رمضان شهر خير وبركة، حباه الله بفضائل كثيرة؛ منها: أن الله عز وجل أنزل فيه القرآن هدى للناس، وشفاء للمؤمنين.
قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة : 185].
وفي شهر رمضان ليلة هي عند الله عز وجل خير من ألف شهر؛ ألا وهي ليلة القدر، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} [القدر: 1: 5].
وفي هذا الشهر تصفد الشياطين، وتغلق أبواب النيران، وتفتح أبواب الجنان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء رمضان؛ فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النيران، وصفدت الشياطين» [البخاري (3277)، ومسلم (1079)].
أحكام الصيام:
النية (النية محلها القلب، والتلفظ بها بدعة، وإن رآها الناس حسنة):
إذا ثبت دخول رمضان بالرؤية البصرية، أو الشهادة، أو إكمال العدة، وجب على كل مسلم مكلف أن ينوي صيامه في الليل، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له» [إرواء الغليل (914)] (وتبييت النية مخصوص بصيام الفريضة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأتي عائشة في غير رمضان، فيقول: «هل عندكم غداء؟ وإلا فإني صائم» [مسلم (1154)].
ومن أدرك شهر رمضان وهو لا يدري، فأكل وشرب، ثم علم فليمسك، وليتم صومه، ويجزؤه ذلك.
وقت الصوم:
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: "لما نزلت هذه الآية: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة: 187]؛ قال: "فكان الرجل إذا أراد الصوم؛ ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد ذلك: {مِنَ الْفَجْرِ}، فعلموا أنما يعني بذلك الليل والنهار". [البخاري (1917) ومسلم (1091)].
* الفجر فجران:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الفجر فجران: فأما الأول؛ فإنه لا يحرم الطعام ولا يحل الصلاة» [الصحيحة (693)] (يسمى الفجر الكاذب: هو البياض (الضوء) المستطيل الساطع المصعد؛ كذنب السرحان أي : الذئب)، وأما الثاني؛ فإنه يحرم الطعام، ويحل الصلاة (يسمى الفجر الصادق: هو الأحمر المستطير أي ينتشر بياض الأفق معترضاً، وهذا هو الذي تتعلق به أحكام الصيام والصلاة).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد» [الصحيحة (2031)] (قال ابن الأثير في "النهاية": أي: لا تنزعجوا للفجر المستطيل فتمتنعوا به عن السحور) وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر(قال الخطابي في معالم السنن: "ومعنى الأحمر هاهنا: أن يستبطن البياض المعترض أوائل حُمْرَةٍ، وذلك البياض إذا تتام طلوعه، ظهرت أوائل الحمرة". [ط / دعاس (2/760)].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الفجر ليس الذي يقول هكذا - وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض، ولكن الذي يقول هكذا - ووضع المسبحة على المسبحة ومد يديه» [البخاري (621)، ومسلم (1093)].
* ثم يتم الصيام إلى الليل:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس؛ فقد أفطر الصائم» [البخاري (1954)، ومسلم (1100 )].
وهذا أمر يتحقق بعد غروب قرص الشمس مباشرة، وإن كان ضوؤها ظاهراً، فقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا كان صائماً أمر رجلاً، فأوفى (أي: أشرف وأطلع) على شيءٍ، فإذا قال: "غابت الشمس"؛ أفطر [صحيح ابن خزيمة (2061)].
* السحور:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] فكان الوقت والحكم على وفق ما كتب على أهل الكتاب أن لا يأكلوا، ولا يشربوا، ولا ينكحوا بعد النوم. أي: إذا نام أحدهم لم يطعم حتى الليلة القابلة، وكتب ذلك على المسلمين، فلما نُسخ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسحور تفريقاً بين صومنا وصوم أهل الكتاب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر» [صحيح الجامع (4207)].
والسحور بركة؛ لأنه اتباع للسنة، ويقوي على الصيام، وفيه مخالفة لأهل الكتاب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تسحروا فإن في السحور بركة» [البخاري (1923)، ومسلم (1095)].
ومن أعظم بركات السحور أن الله سبحانه وملائكته يصلون على المتسحرين، قال صلى الله عليه وسلم: «السحور أكله بركة فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين» (تنبيه: إذا أذن المؤذن وفي يدك كأس من ماء أو كنت تأكل الطعام؛ فكل وأشرب هنيئاً مريئاً؛ لأنها رخصة من أرحم الراحمين على عباده الصائمين)، [صحيح الترغيب (1062)].
* الإفطار:
قال صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون» [صحيح الترغيب (1067)].
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» [البخاري (4 /173)، ومسلم (1093)] (قال الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري (4 /199): "من البدع المنكرة ما حدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة، زعماً ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة، وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة - لتمكين الوقت زعموا -، فأخروا الفطر وعجلوا السحور، وخالفوا السنة، فلذلك قلَّ عنهم الخير، وكثر فيهم الشر، والله المستعان" بتصرف).
إذا كان الناس بخير؛ لأنهم سلكوا منهاج رسولهم، وحافظوا على سننه؛ فإن الإسلام يبقى ظاهراً وقاهراً، لا يضره من خالفه، وحينئذ تكون الأمة الإسلامية قدوة حسنة يتأسى بها، لأنها لن تكون ذيلاً لأمم الشرق والغرب، وظلاً لكل ناعق تميل مع الريح حيث مالت.
* الفطر قبل صلاة المغرب، وعلى ماذا يفطر؟
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم يكن رطبات فتمرات، فإن لم يكن تمرات؛ حسا حسوات (جمع حسوة، وهي: الجرعة من الشراب) من ماء" [إرواء الغليل (922 )].
* ماذا يقول عند الإفطار؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للصائم عند فطره دعوة لا ترد» [إرواء الغليل (903)].
ومن الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقد كان يقول صلى الله عليه وسلم إذا أفطر يقول: «ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله» [إرواء الغليل (5920)].
* ماذا يجب على الصائم تركه:
اعلم أيها الموفق لطاعة ربه جل شأنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حث الصائم أن يتحلى بمكارم الأخلاق وصالحها، ويبتعد عن الفحش، والتفحش، والبذاءة، والفظاظة، وهذه الأمور السيئة وإن كان المسلم مأموراً بالابتعاد عنها واجتنابها في كل الأيام؛ فإن النهي أشد أثناء تأدية فريضة الصيام.
لهذا جاء الوعيد الشديد من النبي صلى الله عليه وسلم لمن يفعل هذه المساوىء، فقال صلى الله عليه وسلم: «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش» [صحيح الترغيب ( 1076 – 1077)] فيجب على الصائم أن يبتعد عن الأعمال التي تجرح صومه.
يتبع.....