صمت رهيب يملأ البلدة المهجورة ...جلست على الضّفّة الاخرى و بدأت أتمتم بما قالت..عندما تتكلّم يصمت العالم..
و تكفّ العصافير عن الغناء وجلا ..و ترتحل الكلمات عن قريحتي..و تنتصب كلّ الآذان تسترق السّمع لنبرات ترتجف أنوثة.. ما كنت أعرف أنّ الكلام عزف على الوتر و أنّ الحياة حكاية تختزل بين شفتي امرأة و أنّ الرّبيع تنتشر أزهاره من ذاك العبق النّاطقة به.. لا تصمتي ليهتزّ العالم و تترنّح الصّوامت و يردّدك الصّمت في قلوب الجبال و بين ثنايا الأودية.. من هنا مرّت كأنها السّحر..كأنّها المرمر..تراها فترجو أن تدنو أكثر.. و يصحو فيك سبات المشاعر.. و تسكت فيك حزن السّنين.. و تغيّر وقع ايقاع القلوب..
أشعلت سيجارتي و بعود الثّقاب رسمت طيفك على التّراب.. فاهتزّت يدي طربا.. و كأنّي أداعبك فتبتسمين.. و حينما انتهيت من الرّسم.. رأيتك تتحرّكين.. كأنّك عذب الرّمال بين الأصابع.. مملكة رمل على عرش الخطوط.. فالتقينا.. و تساوى البعد مع القرب.. فأعدت الرّسم و جعلتك كما أشتهي أن أراك.. و انتابتني سعادة طفوليّة.. فأحسست بأنّ اللّحظات قصيرة و يجب اتّخاذ قرارات حاسمة أصنع بها حلما جديدا.. و تتلوّن معابر الجسد بخيط الضّياء فيخفق الرّمل و ينتشي النسيم و يهتزّ و يربو.. فيمسح الخطوط و أعود كمن ضلّ طريقا.. أعود الى صمتي و وحدتي و بلدتي المهجورة.
" لا شكّ أنّك ككلّ النّساء قد فرغت من أمري تماما.. لكنّ طيفك مازال يزورني في يقظة أو في منام.. غاية الأمر أنّك قد تمرّين بهذا المكان فابتسمي ابتسامة لا تخلو من مرارة أو من سخرية أو من بعض شجن أو من خليط من ذلك كلّه..
و انصرفي عن ماضيك الى هذا الحاضر المليء رخاء و دعة.. و اعتبري أنّني مجرّد ذكرى.. مجرّد وهم.. مجرّد ضيف ثقيل.."