عندما أسعى للحديث عن رجل مثل العقاد .. فيجب أن أستعيد فى أعماقي وأستوعب أن هذا المفكر الأسطورة ..ز
كان ولا زال نجما يشع بما لا طاقة لعيون العقول باستيعابه .. ولا يمكننى حين أتناول شخصيته أو شخصية من سبقه من عمالقة الفكر المصريين أن أدعى أننى بصدد تأريخ حياتهم .. بل هى مجرد خواطر ونظرات الى هؤلاء الكوكبة التى شغلت الدنيا ولم تنشغل بالدنيا .. وعلى رأس هؤلاء .. يقبع العقاد متربعا نسيج وحده .. عالم من الفكر .. وجامعة من العلوم لا يتطرق الى مدرجاتها الا من كان قادرا على استيعاب شرف الجلوس تلميذا الى الأستاذ.. و
البداية
ولد العقاد فى أقصي الجنوب المصري .. بمحافظة أسوان .. ومن المعروف عنه أنه نال من الشهادات .. شهادة الابتدائية فقط .. وهى الدراسة الأولية بأى نظام تعليمى وتقتصر على تعليم القراءة والكتابة .. ولم يكمل تعليمه .. وبغض النظر عن متاهات الحياة التى منعته من اتمام دراسته .. فان العقاد أثبت بتجربته الفريدة أن العلم يكون بقدر المعلوم لا بقدر الاعتراف .. وقد وهب الله تعالى للعقاد مفتاح التميز الأبدى للبشر .. وهى موهبة القراءة .. تلك الموهبة التى تكفل للمتمتع بها طرق دروب من العلم يحار بها المتخصصون .. ولست أقصد بموهبة القراءة أن يميل المرء مجرد ميل أو هواية الى القراءة وشغل وقت الفراغ بشيئ مفيد .. بل أعنى بها أن تكون القراءة هى الحياة نفسها لمن يتمتع بها .. لا يمنعه عنها .. فالذين يميلون الى القراءة كثير .. والذين يرون فيها هوايتهم .. كثير أيضا .. لكن قلة فقط وندرة تلك الزمرة التى تكون القراءة بالنسبة لهم هى العين التى يبصرون بها .. والروح التى يعيشون بها ..ينكبون على الكتاب ويتخذون منه الخليل الذى لا يعيب ولا يعاب .. وعلى رأس هؤلاء العباقرة يأتى العقاد .. وقد سري بدمه حب القراءة والولع بها الى حد الجنون ..ومنذ سنوات صباه الأولى ومع بداية معرفته بكيفية فك لاسم الحرف واستيعاب الجمل وتراكيبها .. بلغ النهم الى القراءة حدا لم يبلغه قبله أحد فى العصر الحديث الا الندرة مثله مثل الأستاذ محمد حسنين هيكل والامام محمد متولى الشعراوى وراهب الفكر توفيق الحكيم .. وللايضاح .. فان العباقرة والعلماء كثر .. لكن هذه الزمرة وأمثالها لم تكن تقرأ فى مجالاتها العلمية سعيا للمزيد من النبوغ فى تلك المجالات .. بل كانت تسعي للقراءة فى المطلق .. للعلم والثقافة والخوض فى شتى مناهل المعرفة بغض النظر عن التخصص الذى يصنع عالما نابغا .. لكنه لا يصنع مفكرا عبقريا .. وقد خرج العقاد من تجربة الدراسة الرسمية كما سبق القول عارفا بكيفية القراءة .. وبدأت همته العالية تستعد لتعليم نفسه علما حرا وبدون معلم الا الكتاب .. وهناك .. بأسوان حيث درج العبقري النابغ .. كانت الظروف المعيشية تدفعه دفعا الى محاولة البحث عن الرزق والكسب .. مما كان يمثل عائقا أمام ممارسته لموهبته .. اضافة الى المال الذى لم يجد له مصدرا يغطى نفقاته المعشية فما بالنا بثمن الكتب التى كانت تستعصي على أمانيه .. ولأن الحكمة الدارجة تقول ” الحاجة أم الاختراع …” لذا توصل العقاد الى حل توفيقي بسيط .. وتكمن عبقريته فى بساطته لحل كل تلك المعضلات دفعة واحدة .. حيث سعى الى العمل لدى أحد أصحاب المكتبات الكبيرة .. كبائع للكتب وعرض على الرجل أن يعمل عنده بأقل أجر ممكن لقاء شرط واحد .. فقبل الرجل وسأل العقاد عن الشرط فأجابه .. ” سأعمل عندك طيلة النهار بأى أجر تريده .. نظير أن تسمح لى بالمبيت بالمكتبة بعض أيام الأسبوع ,. وتغلق على الباب لتطمئن على مكتبتك .. ” فدهش الرجل من هذا الفتى المجنون .. وعندما عرف هدف العقاد من ذلك .. وافق وكله دهشة من هذه الرغبة الحارقة فى الاستزادة من الثقافة والعلوم .. وبالفعل استمر العقاد فى عمله هذا وكان فى الأيام التى يبيت لياليها بالمكتبة يفترس الكتب الضخمة والمجلدات من حوله حتى يأتى عليها كلها ثم ينتقل الى مكتبة غيرها فيعمل بها بذات الأسلوب حتى ينتهى من قراءة كل ما فيها وهكذا دواليك .. وفى سنه الصغيرة تلك .. كان العقاد قد انتهى من كل ما حوته مكتبات المدينه من كتب ومراجع لم يحط علما بها الا شيوخ المثقفين .. وانتقل العقاد فى شبابه الى القاهرة بدأت رحلته مع الابداع ..و
رحلة الابداع
كان صعود نجم العقاد بالقاهرة فى ذلك الوقت .. لافتا بكل تأكيد الى هذا العبقري غير العادى الذى تمكن من طرق أبواب الصحف ودور النشر والتألق بكتاباته فى شتى مناحى الفكر .. وبعصر .. هو عصر العباقرة بكل تأكيد .. ففي الشعر كان البارودى و شوقي وحافظ وخليل مطران .. وغيرهم وفى الأدب كان طه حسين وتوفيق الحكيم ومحمود تيمور ..ومى زيادة وغيرهم وفى الفكر كان عبد الرحمن بدوى .. وزكى نجيب محمود .. والسنهورى .. وغيرهم وفى الفقه والتاريخ كان الأفغانى ومحمد عبده وعبد الرحمن الرافعى والكواكبي وغيرهم وفى السياسة كان سعد زغلول ومصطفي النحاس ومصطفي كامل ومكرم عبيد وغيرهم وفى الفنون كان محمود مختار ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم والسنباطى ومحمود الشريف وغيرهم أى أن نبوغه وسط تلك الكوكبة كان أمرا بحق هو جد المستحيل .. لكن ما أفاد العقاد أن عصر الفكر فى مصر بذلك الوقت لم يكن يعترف الا بالابداع بغض النظر عن مكانة صاحبه .. ولذا نشر العقاد مقالاته وكتبه ولاقت القبول الواسع واتسعت صالونات الفكر والأدب لهذا النجم البازغ .. وأفردت له المكانة الأولى وواصل العقاد صعوده بسرعة خرافية وان بقي على حاله لا يهادن أحدا بثوابت العقيدة والفكر عنده لا سيما أنها كانت تنبعث من الاسلام عقيدة وتاريخا .. وفى وسط هذا البحر الهائج من الصراعات بشتى المجالات .. كان العقاد هناك يدافع عن ثوابته .. تلك الثوابت التى ظهرت عداءات التيارات الجديدة لها .. وصارت معاركه الفكرية وهو يمثل جيش القيمة فى مواجهة الغث مائدة مستديمة على صفحات الصحف والمجلات .. ففي الأدب خاض حروبه ضد التشويه المتعمد باسم المنهج اللامعقول أو الحداثة وفى الفنون خاض معاركه ضد العبثية وما يسمى بالتجريد وفى السياسة خاض معاركه ضد المذاهب الجديدة الماركسية والرأسمالية وفى الفلسفة خاض المعركة ضد المذهب الوجودى المنادى بهدم العقيدة وثوابت الايمان لله تعالى والتسليم له وفى التاريخ الاسلامى خاض معاركه ضد تشويه نظام الحكم الاسلامى وتاريخ صحابته الأجلاء ورسوله صلى الله عليه وسلم على يد العلمانية ودعاتها وصار صالون العقاد الأدبي ببيته بمصر الجديدة احدى ضواحى القاهرة الهادئة فى ذلك الوقت منجما ونبعا لا يغيب عن تلامذته من عمالقة العصر فيما بعد وكانت معاركه تستقطب اليه طلاب الحقيقة من كل حدب وصوب لا سيما فى المجال السياسي ضد الشيوعية التى كانت آفه العصر بذلك الوقت .. وضد العلمانية والتشويه والتشكيك العقائدى باسم حرية الفكر .. ومن مثيرات الحسرة أن يقف من أطلقوا عليه عميد الأدب العربي ” طه حسين ” فأطلق عليه العقاد عمى الأدب العربي وواحد من شيوخ الأزهر ” على عبد الرازق ” موقف الداعين الى التشويه بنظم وثوابت التاريخ الاسلامى فقد خرج طه حسين على الناس بكتاب الشعر الجاهلى الذى شكك فيه بقصة سيدنا ابراهيم وسيدنا اسماعيل وكيف أنه لا يقتنع بصحتها لأنه لا دليل عليها الا القص القرآنى !!وكذلك تشكيكه فى نسبه الشعر الجاهلى لروافد ذلك العصر من شعراء العرب .. وأن القصائد المنسوبة الى عنترة العبسي وامرؤ القيس وطرفة بن العبد وغيرهم لا تخص هؤلاء الغارقين فى البداوة !!وعلى عبد الرازق الذى خرج بكتاب ” الاسلام وأصول الحكم ” والذى دعا فيه الى أن الاسلام لم يكن الا رسالة دينية ولا شأن له بنظم الحكم .. والتى يراها عبد الرازق رهنا بتطورات المجتمع مختصرا دعوته فى أن الاسلام دين لا دولة كذلك خاض العقاد معركة شرسة ضد من استبشروا بقدوم الألمان والطلاينة الى مصر بعد هزيمتهم للانجليز فى معارك شمال افريقيا بالحرب العالمية الثانية .. وكان الوحيد تقريبا الذى دعا الناس الى عدم اللهاث خلف السراب بظن الخلاص من الانجليز على يد الألمان لأن الانجليز والألمان وكل النظم الاستعمارية انما هم دعاة انتهاك لا حرية .. وأن الألمان لن ينتصروا فى حربهم مع الانجليز لأن الألمان مهما كان توفقهم لا شك أنه تفوق سيكون فى اثره السقوط لأنهم يعتمدون على الديكتاتورية بالمذهب النازى وأن أمنية العقاد بهزيمة الجبهتين .. الحلفاء والمحور لأنهم كما سبق القول ذئاب تتدثر برداء الحملان وبلغ العقاد من التأثير درجة .. دفعت القائد الألمانى الشهير ” أدوين روميل ” الى الاعلان من خلف خطوط النار أن الألمان فور وقوع مصر بقبضتهم ستكون أول مهمة لهمهى اعدام المفكر المصري عباس العقاد وكل تلك المعارك التى خاضها العقاد وكسبها .. كانت خلفها العقيدة التى لا تتزعزع .. فقد كان العقاد واحدا من الندرة الذين أسسوا علمهم وفكرهم على الخلفية الاسلامية النقية الخالية من كل غرض .. فى عصر بلغ به الانبهار بالحضارة الغربية الأوربية حدا تضاءلت الى جواره قيمة الاسلام وتاريخه فى أعماق أبنائه .. فمعظم مثقفي العصر .. درسوا وتأسسوا فى أوربا لا سيما فى جامعات فرنسا وتأثروا بهم الى درجة مفزعة ودفعهم الاعجاب الى محاولة التقليد ورفض احياء الحضارة العربية لكن العقاد .. بما حباه الله من رجاحة الفكر ونقاء البصيرة .. لم تدفعه الثقافة الغربية الى الانبهار ..وذلك على الرغم من بلوغه ما لم يبلغه غيره من الاطلاع ودراسة وقراءة عباقرة الفكر والفلسفة الغربية القدامى والمحدثين .. مثل سارتر وهوجو ونيتشه وهيجل .. لكنه أدرك الخط الفاصل بين قراءة الفكر الغربي وتقدير رجاله وقيمة حضارته وبين الانبهار الأعمى بالنحو الذى اندفع اليه معاصروه ومناجزوه
رسالة العقاد وأثره الفكرى
من الصعوبة بمكان .. ادراك مدى الأثر الذى تركه العقاد للحضارة العربية .. فهذا المفكر الأسطورة ترك ميراثا يستعصي ادراكه على كل ذى قدرة وفكر .. عشرات بل مئات الكتب والدراسات والمقالات والأشعار .. تمثل الحجة لدى كل ساع للحقيقة حريص عليها ..وهناك خط فاصل بين كتابات العقاد قبل الثورة المصرية فى يوليو 1953م .. وبعدها .. فقبل الثورة كان العقاد طارقا شتى مجالات الكتابة لا سيما الكتابة السياسية الت تستعصي مؤلفاته فيها على الادراك لصعوبة تواجدها .. والحادث أن العقاد مع غياب حرية الفكر والكتابة والتعبير فى عصر القهر الذى تلى الحكم العسكرى بعد قيام الثورة .. استشعر العقاد أن الحكام الجدد ليس لديهم أدنى تقديرلأحد من روافد الفكر وعمالقته ولن يستعصي عليهم أن يكون العقاد مهما كانت قيمته الفكرية نزيلا بأحد المعتقلات مغيبا فيها .. ولما كان العقاد يدرك أن المعارك لابد أن تكون بين خصوم عقلاء وليس بين من يدركه العقل وخصمه يصاحبه الجنون .. لذا آثر الابتعاد لعدم قدرته على مسايرة النظم الجديدة التى تتطلب النفاق للوصول … أو الدخول الى سراديب المجهول اذا حاول التصدى منفردا لما هو حادث ., وقد أحس العقاد مبكرا جدا بفداحة ما ينتظر مصر بعصر التغيب .. منذ كانت حادثة جمال عبد الناصر بالمنشية والتى وقف فيها عبد الناصر بعد فشل محاولة اغتياله هاتفا بأنه علم مصر الشرف وعلمها الكرامة وأنه اذا مات عبد الناصر فلن يموت ما علمه للشعب .. يومها كان العقاد ببيته وسط صالونه سمع الكلمات عبر المذياع .. فاحمر وجهه بغضب مكتوم وعلق ” علمنا الشرف والكرامة !! ألم نكن نعرفها قبل أن يجيئ هذا القائلالى الدنيا .. ” ثم فاحت مرارته من كلماته وهو يقول ” ان شعبا يستمع الى تلك الكلمات .. ولا يقوم على قائلها .. فيقتله فى مكانه .. لحرى به أن يضربه ذلك الفتى وأمثاله بالنعال ” واعتزل العقاد .. وتفرغ لرسالته فى الكتابة فأخرج درر الفكر الاسلامى من جعبته .. ومن عينه كتاباته السياسية التى توقفت بعد الثورة يبرز كتابه ” لا شيوعية ولا استعمار ” كعلامة حقيقية فى هذا المضمار .. وتعد العبقريات أشهر ما أخرج العقاد لفكر الاسلامى وهو لم يكن يكتب تاريخا للأشخاص أو الوقائع فحسب .. بل كان يصب الفكر فى قوالب كتبه محللا للأحداث ومواقف الشخصيات التى يتناولها عن طريق معالجته ومناقشته لأمهات الكتب التاريخية ومراجعها الكبري .. وهناك سير لشخصيات لم تضمها العبقريات والتى قصرها على علامات الصحابة وفى البداية كانت عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم .. وكتاب ” مطلع النور أو طوالع البعثة المحمدية ” وكان كتاب ” عبقرية محمد ” هو ذلك الكتاب الذى اعترض فيه الامام محمد متولى الشعراوى على عنوانه لأنه رأى فيه نسبة العبقرية الى شخص الرسول عليه لصلاة والسلام .. فى حين أن الواجب رد تلك العبقرية نقاء الرسالة الى فلسفة اختيار الله عز وجل لمحمد عليه أفضل الصلاة والسلام لأداء الرسالة .. ثم كانت ” عبقرية الصديق ” ثم ” عبقرية عمر ” ثم ” عبقرية عثمان ” ثم ” عبقرية الامام” ثم عبقرية خالد ” رضي الله عنهم جميعا ثم كتب السيرة الشخصية المتمثلة فى العديد من الصحابة مثل كتاب ” عمرو بن العاص ” وكتاب ” معاوية بن أبي سفيان ” وكتابه عن السيدة عائشة رضي الله عنها ” الصديقة بنت الصديق ” وكتابه عن السيدة فاطمة الزهراء ” فاطمة الزهراء والفاطميون ” رضي الله عنها ثم تناوله لشخصيات قديمة وحديثة مثل كتابه ” جحا الضاحك المضحك ” وكتابه ” الأستاذ الامام ” عن الامام محمد عبده .. وكتابه عن بن الرومى ” بن الرومى .. حياته وشعره ” وكتابه عن السياسي المصري سعد زغلول ” سعد زغلول ” وهذه كلها مجرد أمثلة .. فاسهاماته عن الشخصيات التاريخية لا تؤذن بحصر .. اضافة الى كونه المؤسس الرئيسي لمدرسة الديوان فى الشعر العربي التابعة للمدارس الرومانسية التى أسس حركتها الأولى شاعر القطرين خليل مطران ومن بين كتبه يبرز كتابه النقدى المشع ” أشتات مجتمعات فى اللغة والأدب ” اضافة الى دواوينه الشعرية وان كانت قليلة .. ورواية واحدة هى ” سارة ” اضافة الى كتبه النقدية عن الفكر الغربي مثال ذلك كتابه عن شكسبير ” التعريف بشكسبير ” مع الكتب التى تمثل السيرة الذاتية مثل كتابه ” أسوان ” وكما سبق القول ان هذه الأمثلة .. تضم تحت كل مجال منها عشرات البحوث والكتب والدراسات .. مما أعطى للعقاد أثرا لم سبقه اليه غيره فى عالمنا المعاصر .. فرحمه الله من مفكر ساطع .. مات وميراثه المحابر والأقلام .. فنأمل من الله تعالى أن يكون ممن قال فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام ” من مات وميراثه المابر والأقلام .. دخل الجنة .. ” وقد توفي العقاد رحمه الله ومصر تحت تأثير هزيمة النكسة القاسية والتى أحس العقاد بمقدمها يوما ما قبل أن تطويه عزلته عن السياسة مع شعب من حوله كان بين مطرقة الخوف .. وسندان النفاق .. انطوى معتزلا عندما وجد دعوته السياسية وهو بها جدير .. لن تصل ولن يفوح عطرها الى أحد مع جو الكتم والحرية .. فآثر السكوت عن السياسة .. لأنه حتى لو تكلم بها ..لم يكن ليسمحوا لصوته بأن يكون مسموعا مهما علا . ليس لأن كلامه ورؤاه ستكون غير ذات حقيقة .. بل على العكس لأنها ستكون صدمة الحقيقة مع عقول آثرت الزيف . وكم من مفكر .. وكم من مبدع .. دعا الناس الى صلاحها فأبت .. فحق عليهم الجهل حيث هم .. رحمك الله أيها الأستاذ .. وغفر لك ..
كان ولا زال نجما يشع بما لا طاقة لعيون العقول باستيعابه .. ولا يمكننى حين أتناول شخصيته أو شخصية من سبقه من عمالقة الفكر المصريين أن أدعى أننى بصدد تأريخ حياتهم .. بل هى مجرد خواطر ونظرات الى هؤلاء الكوكبة التى شغلت الدنيا ولم تنشغل بالدنيا .. وعلى رأس هؤلاء .. يقبع العقاد متربعا نسيج وحده .. عالم من الفكر .. وجامعة من العلوم لا يتطرق الى مدرجاتها الا من كان قادرا على استيعاب شرف الجلوس تلميذا الى الأستاذ.. و
البداية
ولد العقاد فى أقصي الجنوب المصري .. بمحافظة أسوان .. ومن المعروف عنه أنه نال من الشهادات .. شهادة الابتدائية فقط .. وهى الدراسة الأولية بأى نظام تعليمى وتقتصر على تعليم القراءة والكتابة .. ولم يكمل تعليمه .. وبغض النظر عن متاهات الحياة التى منعته من اتمام دراسته .. فان العقاد أثبت بتجربته الفريدة أن العلم يكون بقدر المعلوم لا بقدر الاعتراف .. وقد وهب الله تعالى للعقاد مفتاح التميز الأبدى للبشر .. وهى موهبة القراءة .. تلك الموهبة التى تكفل للمتمتع بها طرق دروب من العلم يحار بها المتخصصون .. ولست أقصد بموهبة القراءة أن يميل المرء مجرد ميل أو هواية الى القراءة وشغل وقت الفراغ بشيئ مفيد .. بل أعنى بها أن تكون القراءة هى الحياة نفسها لمن يتمتع بها .. لا يمنعه عنها .. فالذين يميلون الى القراءة كثير .. والذين يرون فيها هوايتهم .. كثير أيضا .. لكن قلة فقط وندرة تلك الزمرة التى تكون القراءة بالنسبة لهم هى العين التى يبصرون بها .. والروح التى يعيشون بها ..ينكبون على الكتاب ويتخذون منه الخليل الذى لا يعيب ولا يعاب .. وعلى رأس هؤلاء العباقرة يأتى العقاد .. وقد سري بدمه حب القراءة والولع بها الى حد الجنون ..ومنذ سنوات صباه الأولى ومع بداية معرفته بكيفية فك لاسم الحرف واستيعاب الجمل وتراكيبها .. بلغ النهم الى القراءة حدا لم يبلغه قبله أحد فى العصر الحديث الا الندرة مثله مثل الأستاذ محمد حسنين هيكل والامام محمد متولى الشعراوى وراهب الفكر توفيق الحكيم .. وللايضاح .. فان العباقرة والعلماء كثر .. لكن هذه الزمرة وأمثالها لم تكن تقرأ فى مجالاتها العلمية سعيا للمزيد من النبوغ فى تلك المجالات .. بل كانت تسعي للقراءة فى المطلق .. للعلم والثقافة والخوض فى شتى مناهل المعرفة بغض النظر عن التخصص الذى يصنع عالما نابغا .. لكنه لا يصنع مفكرا عبقريا .. وقد خرج العقاد من تجربة الدراسة الرسمية كما سبق القول عارفا بكيفية القراءة .. وبدأت همته العالية تستعد لتعليم نفسه علما حرا وبدون معلم الا الكتاب .. وهناك .. بأسوان حيث درج العبقري النابغ .. كانت الظروف المعيشية تدفعه دفعا الى محاولة البحث عن الرزق والكسب .. مما كان يمثل عائقا أمام ممارسته لموهبته .. اضافة الى المال الذى لم يجد له مصدرا يغطى نفقاته المعشية فما بالنا بثمن الكتب التى كانت تستعصي على أمانيه .. ولأن الحكمة الدارجة تقول ” الحاجة أم الاختراع …” لذا توصل العقاد الى حل توفيقي بسيط .. وتكمن عبقريته فى بساطته لحل كل تلك المعضلات دفعة واحدة .. حيث سعى الى العمل لدى أحد أصحاب المكتبات الكبيرة .. كبائع للكتب وعرض على الرجل أن يعمل عنده بأقل أجر ممكن لقاء شرط واحد .. فقبل الرجل وسأل العقاد عن الشرط فأجابه .. ” سأعمل عندك طيلة النهار بأى أجر تريده .. نظير أن تسمح لى بالمبيت بالمكتبة بعض أيام الأسبوع ,. وتغلق على الباب لتطمئن على مكتبتك .. ” فدهش الرجل من هذا الفتى المجنون .. وعندما عرف هدف العقاد من ذلك .. وافق وكله دهشة من هذه الرغبة الحارقة فى الاستزادة من الثقافة والعلوم .. وبالفعل استمر العقاد فى عمله هذا وكان فى الأيام التى يبيت لياليها بالمكتبة يفترس الكتب الضخمة والمجلدات من حوله حتى يأتى عليها كلها ثم ينتقل الى مكتبة غيرها فيعمل بها بذات الأسلوب حتى ينتهى من قراءة كل ما فيها وهكذا دواليك .. وفى سنه الصغيرة تلك .. كان العقاد قد انتهى من كل ما حوته مكتبات المدينه من كتب ومراجع لم يحط علما بها الا شيوخ المثقفين .. وانتقل العقاد فى شبابه الى القاهرة بدأت رحلته مع الابداع ..و
رحلة الابداع
كان صعود نجم العقاد بالقاهرة فى ذلك الوقت .. لافتا بكل تأكيد الى هذا العبقري غير العادى الذى تمكن من طرق أبواب الصحف ودور النشر والتألق بكتاباته فى شتى مناحى الفكر .. وبعصر .. هو عصر العباقرة بكل تأكيد .. ففي الشعر كان البارودى و شوقي وحافظ وخليل مطران .. وغيرهم وفى الأدب كان طه حسين وتوفيق الحكيم ومحمود تيمور ..ومى زيادة وغيرهم وفى الفكر كان عبد الرحمن بدوى .. وزكى نجيب محمود .. والسنهورى .. وغيرهم وفى الفقه والتاريخ كان الأفغانى ومحمد عبده وعبد الرحمن الرافعى والكواكبي وغيرهم وفى السياسة كان سعد زغلول ومصطفي النحاس ومصطفي كامل ومكرم عبيد وغيرهم وفى الفنون كان محمود مختار ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم والسنباطى ومحمود الشريف وغيرهم أى أن نبوغه وسط تلك الكوكبة كان أمرا بحق هو جد المستحيل .. لكن ما أفاد العقاد أن عصر الفكر فى مصر بذلك الوقت لم يكن يعترف الا بالابداع بغض النظر عن مكانة صاحبه .. ولذا نشر العقاد مقالاته وكتبه ولاقت القبول الواسع واتسعت صالونات الفكر والأدب لهذا النجم البازغ .. وأفردت له المكانة الأولى وواصل العقاد صعوده بسرعة خرافية وان بقي على حاله لا يهادن أحدا بثوابت العقيدة والفكر عنده لا سيما أنها كانت تنبعث من الاسلام عقيدة وتاريخا .. وفى وسط هذا البحر الهائج من الصراعات بشتى المجالات .. كان العقاد هناك يدافع عن ثوابته .. تلك الثوابت التى ظهرت عداءات التيارات الجديدة لها .. وصارت معاركه الفكرية وهو يمثل جيش القيمة فى مواجهة الغث مائدة مستديمة على صفحات الصحف والمجلات .. ففي الأدب خاض حروبه ضد التشويه المتعمد باسم المنهج اللامعقول أو الحداثة وفى الفنون خاض معاركه ضد العبثية وما يسمى بالتجريد وفى السياسة خاض معاركه ضد المذاهب الجديدة الماركسية والرأسمالية وفى الفلسفة خاض المعركة ضد المذهب الوجودى المنادى بهدم العقيدة وثوابت الايمان لله تعالى والتسليم له وفى التاريخ الاسلامى خاض معاركه ضد تشويه نظام الحكم الاسلامى وتاريخ صحابته الأجلاء ورسوله صلى الله عليه وسلم على يد العلمانية ودعاتها وصار صالون العقاد الأدبي ببيته بمصر الجديدة احدى ضواحى القاهرة الهادئة فى ذلك الوقت منجما ونبعا لا يغيب عن تلامذته من عمالقة العصر فيما بعد وكانت معاركه تستقطب اليه طلاب الحقيقة من كل حدب وصوب لا سيما فى المجال السياسي ضد الشيوعية التى كانت آفه العصر بذلك الوقت .. وضد العلمانية والتشويه والتشكيك العقائدى باسم حرية الفكر .. ومن مثيرات الحسرة أن يقف من أطلقوا عليه عميد الأدب العربي ” طه حسين ” فأطلق عليه العقاد عمى الأدب العربي وواحد من شيوخ الأزهر ” على عبد الرازق ” موقف الداعين الى التشويه بنظم وثوابت التاريخ الاسلامى فقد خرج طه حسين على الناس بكتاب الشعر الجاهلى الذى شكك فيه بقصة سيدنا ابراهيم وسيدنا اسماعيل وكيف أنه لا يقتنع بصحتها لأنه لا دليل عليها الا القص القرآنى !!وكذلك تشكيكه فى نسبه الشعر الجاهلى لروافد ذلك العصر من شعراء العرب .. وأن القصائد المنسوبة الى عنترة العبسي وامرؤ القيس وطرفة بن العبد وغيرهم لا تخص هؤلاء الغارقين فى البداوة !!وعلى عبد الرازق الذى خرج بكتاب ” الاسلام وأصول الحكم ” والذى دعا فيه الى أن الاسلام لم يكن الا رسالة دينية ولا شأن له بنظم الحكم .. والتى يراها عبد الرازق رهنا بتطورات المجتمع مختصرا دعوته فى أن الاسلام دين لا دولة كذلك خاض العقاد معركة شرسة ضد من استبشروا بقدوم الألمان والطلاينة الى مصر بعد هزيمتهم للانجليز فى معارك شمال افريقيا بالحرب العالمية الثانية .. وكان الوحيد تقريبا الذى دعا الناس الى عدم اللهاث خلف السراب بظن الخلاص من الانجليز على يد الألمان لأن الانجليز والألمان وكل النظم الاستعمارية انما هم دعاة انتهاك لا حرية .. وأن الألمان لن ينتصروا فى حربهم مع الانجليز لأن الألمان مهما كان توفقهم لا شك أنه تفوق سيكون فى اثره السقوط لأنهم يعتمدون على الديكتاتورية بالمذهب النازى وأن أمنية العقاد بهزيمة الجبهتين .. الحلفاء والمحور لأنهم كما سبق القول ذئاب تتدثر برداء الحملان وبلغ العقاد من التأثير درجة .. دفعت القائد الألمانى الشهير ” أدوين روميل ” الى الاعلان من خلف خطوط النار أن الألمان فور وقوع مصر بقبضتهم ستكون أول مهمة لهمهى اعدام المفكر المصري عباس العقاد وكل تلك المعارك التى خاضها العقاد وكسبها .. كانت خلفها العقيدة التى لا تتزعزع .. فقد كان العقاد واحدا من الندرة الذين أسسوا علمهم وفكرهم على الخلفية الاسلامية النقية الخالية من كل غرض .. فى عصر بلغ به الانبهار بالحضارة الغربية الأوربية حدا تضاءلت الى جواره قيمة الاسلام وتاريخه فى أعماق أبنائه .. فمعظم مثقفي العصر .. درسوا وتأسسوا فى أوربا لا سيما فى جامعات فرنسا وتأثروا بهم الى درجة مفزعة ودفعهم الاعجاب الى محاولة التقليد ورفض احياء الحضارة العربية لكن العقاد .. بما حباه الله من رجاحة الفكر ونقاء البصيرة .. لم تدفعه الثقافة الغربية الى الانبهار ..وذلك على الرغم من بلوغه ما لم يبلغه غيره من الاطلاع ودراسة وقراءة عباقرة الفكر والفلسفة الغربية القدامى والمحدثين .. مثل سارتر وهوجو ونيتشه وهيجل .. لكنه أدرك الخط الفاصل بين قراءة الفكر الغربي وتقدير رجاله وقيمة حضارته وبين الانبهار الأعمى بالنحو الذى اندفع اليه معاصروه ومناجزوه
رسالة العقاد وأثره الفكرى
من الصعوبة بمكان .. ادراك مدى الأثر الذى تركه العقاد للحضارة العربية .. فهذا المفكر الأسطورة ترك ميراثا يستعصي ادراكه على كل ذى قدرة وفكر .. عشرات بل مئات الكتب والدراسات والمقالات والأشعار .. تمثل الحجة لدى كل ساع للحقيقة حريص عليها ..وهناك خط فاصل بين كتابات العقاد قبل الثورة المصرية فى يوليو 1953م .. وبعدها .. فقبل الثورة كان العقاد طارقا شتى مجالات الكتابة لا سيما الكتابة السياسية الت تستعصي مؤلفاته فيها على الادراك لصعوبة تواجدها .. والحادث أن العقاد مع غياب حرية الفكر والكتابة والتعبير فى عصر القهر الذى تلى الحكم العسكرى بعد قيام الثورة .. استشعر العقاد أن الحكام الجدد ليس لديهم أدنى تقديرلأحد من روافد الفكر وعمالقته ولن يستعصي عليهم أن يكون العقاد مهما كانت قيمته الفكرية نزيلا بأحد المعتقلات مغيبا فيها .. ولما كان العقاد يدرك أن المعارك لابد أن تكون بين خصوم عقلاء وليس بين من يدركه العقل وخصمه يصاحبه الجنون .. لذا آثر الابتعاد لعدم قدرته على مسايرة النظم الجديدة التى تتطلب النفاق للوصول … أو الدخول الى سراديب المجهول اذا حاول التصدى منفردا لما هو حادث ., وقد أحس العقاد مبكرا جدا بفداحة ما ينتظر مصر بعصر التغيب .. منذ كانت حادثة جمال عبد الناصر بالمنشية والتى وقف فيها عبد الناصر بعد فشل محاولة اغتياله هاتفا بأنه علم مصر الشرف وعلمها الكرامة وأنه اذا مات عبد الناصر فلن يموت ما علمه للشعب .. يومها كان العقاد ببيته وسط صالونه سمع الكلمات عبر المذياع .. فاحمر وجهه بغضب مكتوم وعلق ” علمنا الشرف والكرامة !! ألم نكن نعرفها قبل أن يجيئ هذا القائلالى الدنيا .. ” ثم فاحت مرارته من كلماته وهو يقول ” ان شعبا يستمع الى تلك الكلمات .. ولا يقوم على قائلها .. فيقتله فى مكانه .. لحرى به أن يضربه ذلك الفتى وأمثاله بالنعال ” واعتزل العقاد .. وتفرغ لرسالته فى الكتابة فأخرج درر الفكر الاسلامى من جعبته .. ومن عينه كتاباته السياسية التى توقفت بعد الثورة يبرز كتابه ” لا شيوعية ولا استعمار ” كعلامة حقيقية فى هذا المضمار .. وتعد العبقريات أشهر ما أخرج العقاد لفكر الاسلامى وهو لم يكن يكتب تاريخا للأشخاص أو الوقائع فحسب .. بل كان يصب الفكر فى قوالب كتبه محللا للأحداث ومواقف الشخصيات التى يتناولها عن طريق معالجته ومناقشته لأمهات الكتب التاريخية ومراجعها الكبري .. وهناك سير لشخصيات لم تضمها العبقريات والتى قصرها على علامات الصحابة وفى البداية كانت عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم .. وكتاب ” مطلع النور أو طوالع البعثة المحمدية ” وكان كتاب ” عبقرية محمد ” هو ذلك الكتاب الذى اعترض فيه الامام محمد متولى الشعراوى على عنوانه لأنه رأى فيه نسبة العبقرية الى شخص الرسول عليه لصلاة والسلام .. فى حين أن الواجب رد تلك العبقرية نقاء الرسالة الى فلسفة اختيار الله عز وجل لمحمد عليه أفضل الصلاة والسلام لأداء الرسالة .. ثم كانت ” عبقرية الصديق ” ثم ” عبقرية عمر ” ثم ” عبقرية عثمان ” ثم ” عبقرية الامام” ثم عبقرية خالد ” رضي الله عنهم جميعا ثم كتب السيرة الشخصية المتمثلة فى العديد من الصحابة مثل كتاب ” عمرو بن العاص ” وكتاب ” معاوية بن أبي سفيان ” وكتابه عن السيدة عائشة رضي الله عنها ” الصديقة بنت الصديق ” وكتابه عن السيدة فاطمة الزهراء ” فاطمة الزهراء والفاطميون ” رضي الله عنها ثم تناوله لشخصيات قديمة وحديثة مثل كتابه ” جحا الضاحك المضحك ” وكتابه ” الأستاذ الامام ” عن الامام محمد عبده .. وكتابه عن بن الرومى ” بن الرومى .. حياته وشعره ” وكتابه عن السياسي المصري سعد زغلول ” سعد زغلول ” وهذه كلها مجرد أمثلة .. فاسهاماته عن الشخصيات التاريخية لا تؤذن بحصر .. اضافة الى كونه المؤسس الرئيسي لمدرسة الديوان فى الشعر العربي التابعة للمدارس الرومانسية التى أسس حركتها الأولى شاعر القطرين خليل مطران ومن بين كتبه يبرز كتابه النقدى المشع ” أشتات مجتمعات فى اللغة والأدب ” اضافة الى دواوينه الشعرية وان كانت قليلة .. ورواية واحدة هى ” سارة ” اضافة الى كتبه النقدية عن الفكر الغربي مثال ذلك كتابه عن شكسبير ” التعريف بشكسبير ” مع الكتب التى تمثل السيرة الذاتية مثل كتابه ” أسوان ” وكما سبق القول ان هذه الأمثلة .. تضم تحت كل مجال منها عشرات البحوث والكتب والدراسات .. مما أعطى للعقاد أثرا لم سبقه اليه غيره فى عالمنا المعاصر .. فرحمه الله من مفكر ساطع .. مات وميراثه المحابر والأقلام .. فنأمل من الله تعالى أن يكون ممن قال فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام ” من مات وميراثه المابر والأقلام .. دخل الجنة .. ” وقد توفي العقاد رحمه الله ومصر تحت تأثير هزيمة النكسة القاسية والتى أحس العقاد بمقدمها يوما ما قبل أن تطويه عزلته عن السياسة مع شعب من حوله كان بين مطرقة الخوف .. وسندان النفاق .. انطوى معتزلا عندما وجد دعوته السياسية وهو بها جدير .. لن تصل ولن يفوح عطرها الى أحد مع جو الكتم والحرية .. فآثر السكوت عن السياسة .. لأنه حتى لو تكلم بها ..لم يكن ليسمحوا لصوته بأن يكون مسموعا مهما علا . ليس لأن كلامه ورؤاه ستكون غير ذات حقيقة .. بل على العكس لأنها ستكون صدمة الحقيقة مع عقول آثرت الزيف . وكم من مفكر .. وكم من مبدع .. دعا الناس الى صلاحها فأبت .. فحق عليهم الجهل حيث هم .. رحمك الله أيها الأستاذ .. وغفر لك ..