رأيته على بعد قرابة عشرة أمتار من مكاني الذي اقبع فيه، سرت نحوه وأنا أضع أحد قدمي أثناء السير على اليابسة والأخرى فوق حافت البحر لكي لا افقد الاتجاه، وصلت أخيراً إلى حيث القارب المهتري، استلقيت إلى جواره ولكن هذا لم يكن كافياً ليحجب عني الكميات المتساقطة من زخات البرد، فأحد جنبي لا يزال عارياً من التغطية، لم يكن حجم ذلك القارب كبيراً وإنما كان مترين ونصف تقريباً وكأنه قياس لقبر بشري، حاولت اقلبه ظهراً على عقب ولكن لطول فترة مكث ذلك القارب على الشاطئ التحمت حوافه السفلية في الأرض، وبما انه ليس لي من بد من أن اقلبه مهما كلفني الأمر من عنا، انتظرت حتى قبس ضوء البرق ثانية ورحت أبحث لعلي أجد شيء يمكنني من خلاله وضعت يدي مرة أخرى وإذا بها تقع عليه مباشرة أنه سرطان البحر، كدت أن اصرخ لولا أنني تذكرت أن ذلك الكائن المتشظي لا يؤذي أحد، وأن ما أتى به إلى جواري تحت ذلك الطقس هو أنه كان يحتمي بالقارب من الأسفل وعندما قلبته أصبح هو في العراء بدلاً مني، وعندها سار ليبحث عن مخبأ في ما كان ما بالأسفل ثانية، أي حظ هذا الذي حشرني لأنام مع سرطان البحر، وأي نوماً سوف يأتي لي هو يعبث في كل مرة باتجاه من جهات جسدي، وما يدريني أن لا يكون هناك ما هو غيره معي في تلك الظلمتين ظلمت الليل وظلمت جوف القارب، أستبد بي الخوف حتى أصبحت فريسة سهلة لنوم، فالمثل يقول (إذا كبرت همومك كبر وسادتك ونام)، ولو أنه لا يوجد في ذلك المكان شيء من الوسائد سواء صخور نأتيه تدغدغ جلدي كالأشواك، لا اعلم كيف نمت ولا متى نمت، وماذا حل بي بعد زيارة ذلك الكائن، فكل ما اعرفه أنني ارتميت كشوال من التبن وغطيت في نوماً عميق كذلك النوم الذي غشي أصحاب الكهف، صحوت بعد ذلك على أصوات تكسر الموجات وهي ترتطم بصخور الشاطئ، مترافقة مع أصوات طيور النورس التي تبحث عن أسماك لتسد بها خماص بطونها، رفعت أحد جوانب القارب لأرى الشمس وقد ساحت على أرجاء المكان، يا إيلاهي كم هي الساعة الآن، تسللت من تحت القارب كجرذ ينسل من بطن صفيحة زيت، توجهت إلى أطراف ماء البحر وملئت كفي بحفنة منه لا غسل بها بقايا النوم المتكلس على وجهي من أثر معاناة تلك الليلة.تفحصت المكان أين أنا؟!! لا أجد نفسي على ذلك اللسان من البحر الذي كنت أمارس به السباحة أيام طفولتي، نظرت إلى اليمين لا احد ونظرت إلى الشمال وإذا بي أرأى سواد كغراب يقبع على أحد صخور البحر الكبيرة يقلب نظره إلى هناك حيث ألأفق البعيد ذلك الأفق الذي عرف من خلاله العلماء بأن الأرض ليست مسطحة الشكل مثلما كان يتوهم البعض وإنما هي كروية الشكل، تملكتني شيء من الدهشة فذلك القابع هناك ينظر إلى البحر بشكل يدعو إلى التساؤل وكأنه قد أودع البحر شيء ما ويطلب منه أن يرده إليه، أم تراه ينتظر شخصاً ما سيأتي إليه على ظهر أحدى تلك الموجات، أم تراه كحالتي في بعض الأحيان عندما اشعر بالحزن وهو يعتريني تجد أول ما أفكر فيه هو الهروب إلى البحر لأبث له أحزاني وكأنما البحر قد أوكل إليه حل مشاكل الخلق، أحادثه وكأنه صديق لي أقول له كل ما يجول بخاطري من أحزان وأعاتبه في أحياناً أخرى، وكم استقبل هذا البحر ممن هم على شاكلتي فأنا لست بدع من القول في هذا الأمر، فسكان السواحل كلهم على تلك الحالة فجميعهم دون استثناء يهربون إلى البحر بمشاكلهم، ولهذا تجد السواحل تغص بالزائرين، عدت بعد شرودي الذهني الكبير الذي تتسع مساحته لأكتب عنه ألف ورقة وورقة فالموضوع ذو شجون والهموم أكثر من أن تعد، عدت إلى تلك الشخصية المتمثلة أمامي تلك التي لا تتحرك كعابد وطيد الصلة بالله ينطرح بين يديه بالمحراب طلباً للمغفرة، طرحت على نفسي جيل جديد من الأسئلة المفتوحة ما بها؟!! ومن تكون؟!! ومن تنتظر ؟!! وكم من الوقت لها هنا وهي تجلس على هذه الصخرة؟!! وكيف شكل من تنتظره؟!! هل هو كبير أم صغير وسيم أو قبيح، وهل يستحق هذا الانتظار؟!! أم تراه لا يستحق شيءً من ذلك؟!! اتجهت إلى حيث هي يدفعني إليها الجوع فأنا منذ ليلة البارحة لم ينحدر إلى جوفي طعام ولا شراب وشيء أخر دفعني إلى أن أتوجه إليها هو حب الاستطلاع، فنحن شعب يموت من أجل أن يعرف ما يدور في الخفاء لدى الآخرين سواء كان ذلك الذي يدور خير أو شر يخصه أو لا يخصه، فنحن حتى في أوقات الأزمات والحوادث نقف في صف له أول ولا وليس له أخر فمن يقع عليه حادث في بلدنا رحمة الله عليه سلفاً!! فالمرور وسيارات الإسعاف تحتاج إلى معجزة إلهيه لكي تصل إليه، كلنا يريد أن يتفرج ومن ليس لديه الوقت ليقف لكي يتفرج تجده يسأل من كان هناك من وفود البصاصين العائدين من تلك الرحلة الغبائية، هأه يا أخوي بشر عسى ما فيه شيء وهل السائق بخير أم أنه قد مات؟!!! وهل معه أحد أم أنه لوحده؟ وإذا كان معه أحد هل من معه نساء أم رجال؟ وإذا كن نساء آمل أن لا يكون قد تكشف من جسدهن شيء!!! فهو عندما يطرح هذا السؤال تحديداً يكذب على نفسه، فما يتمناه أن كان في ذلك الحادث نساء أن يراهن وهن مجندلات على الأرض عاريات جزئياً أو كلياً ليرضي بتلك النظرات منه شغف في نفسه المريضة، فسؤاله إن كنت تريد أن تصل معه إلى ما يتمنى معرفته من أنواع الأجوبة فعليك أن تجيب عليه بطريقة معكوسة، وفيض من الأسئلة ألتي قد يأخذ الرد عليه من قبل الأخ البصاص حياة من كان الضحية لذلك الحادث أو تلك الأزمة!!!، فنحن لو كان هناك من جائزة تمنح لمن هم أمثالنا من المتلصصين لمنحت لنا دون أن ينافسنا عليها أحد، وما إن وصلت حيث تلك الشخصية التي أتيت لها من الخلف وأصبحت على بعد عشرة أمتار منها إلا ويظهر لي بأنها امرأة
منقووووووووووول