قصة حب ملئة بالحب والعبر .. في حلقات
جميع الاسامي الموجودة في هذه القصة والتي ورد ذكرها
هي من متن خيال الكاتب و ليست لها أي علاقة بالواقع
وإن كان هنالك تتطابق لهذه الاسامي مع الواقع
فالكاتب ليست لديه أي معرفة بهم...
والله على ما أقول شهيد
من تأليف : الصقور الجارحة
الحلقة الأولى
..............................
(صفاء) نقية الروح طاهرة الوجدان .. رقيقة الملامح ..عندما تسير تحرك حولها موجات الانسام تلامس كل روح حولها تزكمها بعطر الجمال وتلفها بحفاوة الوجود وتعمها ببشريات الحياة،
صفاء عندما تقف تسكن جميع العواطف مشدوهة بسحر الدلال ومفتونة لنبل الخصال ....
صفاء ... الكل يعرفها رغم سنتها الأولى.. حارسات الباب .. بائعات التسالي ... موظفو الجامعة .. الدكاترة والمحاضرين ... الطلبة اقرانها ومن هم غير ذلك ....
صفاء تبتسم للجميع .. والجميع يبتسم لها .....
في قاعة الدرس كلها انتباه وتطفر من عينيها الجميلتين نظرة الجدية والهمة والمثابرة .. ويتحرك قلمها بوداعة اناملها في احضان كفها البض بسلاسة على دفترها المنسق يضع ما يُلقى عليها من دروس بكل رشاقة وهدوء تتحرك يدها المشعة .
صفاء .. تصغى بكل حواسها لزملائها ومقلتاها متوهجة بابتسامة ساحرة تجبر المتحدث على اختيار انقى الكلمات وارقى المواضيع ...
لا تتتحدث كثيرا صفاء .. وعندما ينتظرها الجميع بشغف أن تتحدث تخرج كلمات نادرة وضاحكة .. كانت تضحك وهي تتحدث .. تلاقى الناس بترحاب وشوق كبير وتسأل عن أحوالهم .. وربما قد يكون الفراق بضعة ساعات ..
صفاء تشرق لها القاعات والردهات .. تضج لها الساحات والاماكن ...
وضاءة الجبين مشرقة الوجه .. ممشوقة القوام ... عندما يضايقها الوقت .. تسرع في مشيها كأجمل ما يكون الاسراع متأبطة حقيبتها الصغيرة ومحتضنة دفترها الانيق .. وعيناها لا يفارقان مكان اقدامها تحرك كل الحواس حولها تشع لها القلوب وتهفو لها ... وعندما ترافق زميلاتها ببطء تنثر البراح و تلهم الخيال.
تشتاق القلوب لها عندما تتأخر ...
الضجر يملأ النفوس والأماكن عندما تغيب ...
الكل يفتقدها الناس والطقس والشجر .. يغيب الحبور ويُرهق السرور .. تفتقدها القاعات و الساحات ويقسى الظل والحرور ..
و(جابر) البرئ يسأل عنها كل الصحاب .. سارة ومنال .. ندى ومي رؤى ومروة وسهام .. يبتسم امجد ويضحك احمد وينظر غير عابئ وسام ..
جابر يحب الناس .. يطوف بكل أريحية وسط الزحام يصادق ويلاطف ويصاحب ويقتحم الجماعات دون استئذان .. يستمع ويناقش .... وغالبا يهان...
نظرات متأففة واقوال لاذعة ... ابتسامات صفراء وتعاليق ساخرة ... ينفجر البعض بالضحك .. يغتاظ البعض ويرثى اخرون ... وهو يبتسم في أنزواء ...
لا يغضب .. لا يثور .. لا يحقد .. فقط بإطراق يبتسم في إنزواء ..
يعود في اليوم التالي مشرق الوجه بابتسامة اريحية لكل من يجده وعيناه تضجان بالسرور ويسأل ويبحث عمن يفتقده بكل مرح وقلق ... يلاقي الود بكل انشراح ولا يعبأ بالجفاء ولا يعاني التحاشي من البعض ... ويجد العذر لك شخص
.............................................................................................
كان امجد يحب جابر كثيرا .. ولكنه كان يحتار في امره حيث لا يعقل بأن يكون بهذ السذاجة حتى لا يفهم بأن البعض يستهزأ به ويسخر منه ولا يمكن أن يكون غبيا حتى لا يدرك بأن بعضهم يذدريه بكل وضوح ...
قال له امجد ذات يوم : كيف ترضى لنفسك بأن يهينك زميل ولا ترد عليه..
قال امجد هذا الكلام بسبب غضب عارم عندما رأي بعض الاشخاص أستمرأو التعليق على ملابس جابر بكلمات جارحة وضحكات مستفزة ..
وكاد امجد أن ينفجر من الغيظ عندما رأي رد فعل جابر وهو يطرق ببصره بهدوء إلى الارض ... وأستأذن الجميع بالانصراف ...
وعندما لحقه امجد وقال له ما قال ....
ابتسم جابر ونظر إلى امجد رافعا كتفيه ويديه ببساطة ... وانصرف في حال سبيله ...
في اليوم التالي كاد أن يصعق امجد وهو يرى جابر يتحدث معهم ويسأل عن بعضهم ..
ربما لاحظ امجد وبقية الزملاء.. بساطة وقلة ملابس جابر التي تعاني القدم وهي تلتصق بجسده النحيل كأنهما يواسيان بعضهما بحنو .
ولكنهم لا يجدون بساطة روحه وسمو طبعه .. وطيبة قلبه..
عبر جابر عن قلقه من تغيب صفاء ليومين اثناء تدارسهم بعض الدروس بصوت مرتفع وتسأل إن كان احد يدرك ما بها ...
امسك امجد بيده برفق ودنا فاهه إلى اذنه قائلا بهمس (لا يمكن أن تسأل عن الفتيات لتغيبهم يوما أو يومين .. ياجابر) ... لا تحرجنا ...
.................................................................................................... ...
الحلقة الثانية
عبر جابر عن قلقه من تغيب صفاء ليومين اثناء تدارسهم بعض الدروس بصوت مرتفع وتسأل إن كان احد يدرك ما بها ...
امسك امجد بيده برفق ودنا فاهه إلى اذنه قائلا بهمس (لا يمكن أن تسأل عن الفتيات لتغيبهم يوما أو يومين .. ياجابر) ... لا تحرجنا ...
.................................................................................................... ...
كان جابر في أغلب الاحيان ينظر بإعجاب لزملائه وهم غارقون في النقاش .. كان اسلوب جديد عليه كليا فهم يتناولون مواضيع شيقة متعلقة بالفن والسينما وجديد الافلام كأن احيانا يفغر فاه متعجبا من هول وكمية الافلام التي يعرفونها وهو لم يسمع به ابدا في حياته بل انهم يناقشون مضمونه من خلال شخوصه وابطاله ..
لم تخفي مي اعجابها بفيلم van damme ووافقها في ذلك أمجد وتجاذبا اطراف الحديث عن مشاهد رائعة وعبارات جميلة اما وسام فقال بإقتضاب .. إنه فيلم جيد ولكن الأروع هو فيلم maximum risk واخذ يتحدث عن براعة الحبكة الدرامية مع المشاهد الحركية واسترسل في ذلك مع مداخلات مروة ومنال .وامجد ..
كانوا يبدون أرائهم بكل وضوح حول مختلف القضايا ... ولكن كان اكثر حديثهم يدور حول فيديو كليب هذا وذاك ...
كان جابر يجول ببصره حول هذا وتلك بكل شغف وابتسامات متكررة .. كان يعجبه ذلك .. ادرك بأن اصحابه رائعون مهتمون باشياء كثيرة ولهم فيها دراية وأراء ..
كانت دردشتهم تخرج بتلقائية وعفوية موضحة المكنون الرهيب من الثقافة الفنية و العامة الذي يتمتعون به ..
جابر لم تتح له ظروفه الحراك في عالم الافلام والاغاني والفضائيات .. كان لا يعرف عن الافلام غير فلمان هنديان أو ثلاثة ادخله خاله السينما في صباه .. ويتذكر كيف خرج وهو متأثر بكل احداث الفلم التي جرت .. لقد كان يرجع للخلف على كرسيه حتى لا يلحظ خاله دموعه المنهمرة اثر مشهد مؤثر يعبر عن تضحية تجمع بين صديقين... وكيف كاد أن يجهش بالبكاء عندما مات احدهم وهو على صدر الآخر
وكيف كان يصفق مع الجموع لأنتقام الصديق لصديقه ..
وكيف أنتشى عندما رقصت البطلة الفاتنة على الحان بطلها العاشق ..
عندما اردا جابر في بعض الاحيان أن يقحم فلمه المفضل هذا في معرض مناقشاتهم .. نظر إليه وسام مستغربا .. فيلم هندي .. يا لك من خيالي .. واطلق ضحكة تجاوبت معها بقية المجموعة ...
عندها احجم جابر عن المشاركة واقصر دوره على التلقي ...
ولكن ...
عندما تنعطف الاحاديث وتتجاذب اطراف الروايات والقصص .. يظهر هنا جابرا بعفوية ملفتا انظار الجميع إلى الكم الهائل من الكتب التي قرأها ومعرفته الدقيقة بتفاصيلها التي تجلت عند شرحه لشخصية مصطفى سعيد في رواية موسم الهجرة إلى الشمال وانه بأشد المعجبين بالطيب صالح والبير كامي التي تجلت فيه قدرته الخيالية في الغوص داخل الطباع عن طريق كتابه الغريب ... وغيرهما من المؤلفين العالمين
كان جابر يتحدث بكلتا يديه وعيناه تومضان ببريق ينم عن صدق اعتقاده وتأثر مشاعره ..
رأي زملائه إن جابر شخصية غريبة تنسج بين البساطة والعشوائية وسهولة التعامل وبين عمق الفكر وتهذيب الخواطر وغنى الروح.
...............................................................................................
مرت الايام والاسابيع سريعة ... وكل يوم تئن دفاتر الطلاب من هول العلوم والمطلوبات ..
وفي الاسابيع الاخيرة لعامهم الأول .. كان الجميع بين رهبة القاعات وصمت المكتبات .. في إنشغال
تحولت المناقشات العابرة إلى شروح دراسية واستذكار .. وتسأول وأجوبة ..
البعض مازال يملأ المكان بغير اهتمام .. ينظر إلى الأخرون ببلاهة ودون حياء ..
أما اكثرهم فكانوا يتناولون طعامهم واعينهم مسمرة على كتبهم ودفاترهم ...
كان معظم الطلاب يقرأون من دفاتر صفاء بعد ان تم نسخها لعشرات النسخ ..
كان خطها الجميل وتنسيقها الأنيق وتلخيصها لمعظم المحاضرات هو طوق نجاة لكثير من زملائها .. كما كانت لا تتورع عن مساعدة زميلاتها على استذكار بعض ما يجدهن عسيرا .. وكانت تمنح الاجوبة والشروح لبعض الزملاء بكل هدوء ودون مغالاة ..
كانت غارقة في دروسها ودفاترها ومع زميلاتها ...
بالرغم من أن امجد كان أقل اصدقائه اهتماما لكنه كان اكثرهم ذكاءً ونبوغا ..
كان يقضى بعض الوقت في لعب البلياردو وقراءة الصحف .. واغلبه في شرح الدروس والاستذكار مع اصدقائه.
مر امجد على ردهات وساحات الكلية .. فوجد اصدقائه يلتفون حول صفاء وهي منهمكة بالشرح بعبارتها اللبقة واسلوبها الجاد والبسيط والذي كان يستوعبه الجميع بشراهة ..
أصدر أمجد اصوات متنحنحة لافتا انظارها إليه .. ولكنها كانت مستغرقة في أيصال فكرة عن كيفية حل مسائل بعينها عندما تواجه عبارات معينة وما المراد من ذكر بعض العبارات و....و..
هنا فرقع امجد اصابعه بصورة تشابه حركة التلميذ .. فرفعت صفاء رأسها عن ورقها بنظرات مستغربة ومتسائلة عن مصدر الصوت .. ولكنها سرعان ما بان عليها الارتياح عندما وجدته امجد وابتسمت له ..
وبادر معتذرا بأنه لفت نظرها معللا بأن الجميع يبدون في حالة إنشغال تام :
قالت بكل لطف واهتمام و يديها على اوراقها : لا لا لم الحظ وجودك ..
عفوا: كنت أسأل عن جابر .. لم التقيه منذ فترة .. فقط اشاهده لماما في القاعة وبعدها يختفي .. تسأل امجد
هزت صفاء راسها نافية وهي تبتسم معتذرة ونظرت لمن حولها
فبادر وسام بالرد : جابر له فترة من القاعة للمكتبة ومن المكتبة للمنزل ..
غالبا ما تجده في المكتبة ..
انصرف امجد وهو في طريقه إلى المكتبة بعد أن شكر وسام ...ووعدهم بالرجوع إليهم حال فراغه من جابر ...
عاد امجد لأصدقائه ودروسهم وهو شارحا تارة ومستفسرا تارة أخرى ... ولم يسأله احد إن كان قد وجد جابر أم لا....
.................................................................................................
أنشغل الجميع بدروسهم باقي الايام ... وآثر البعض المكوث في المنزل في فترة الراحة للأمتحان ...
...........................................................................................
بعد عدة أسابيع تواردت الانباء بأنه قد تم تعليق النتائج على لوحة الكلية ...
كان وسام أول الواصلين إلى الكلية وقام بنشر وإرسال نتائج اصدقائه الذين لم يحضروا بعد .. وكان سعيدا وهو يزف نجاحهم طالبا منهم القدوم إلى الكلية احتفالا ..
وفي اليوم المتفق عليه
التقت ندى بوسام قائلة وهي تبتسم : يا وجه الخير والفأل الحسن ..
- يشرفني ذلك بأن أكون أول المهنئين
- هل جاء احد
- نعم هنالك احمد ومي ومروة .. ذهبوا لاحضار بعض الطعام
- وصفاء
- صفاء قالت انها سوف تأتي ..
- هل امجد حضر
- امجد يا سارحة .. في تركيا .. اجازة ومن هذا القبيل
- تركيا ... مرة واحدة
- اتصل وبسلم على جميع الاصدقاء وببارك ليكم النجاح .. فردا فردا ..
- لا ادري ولكن من غير امجد وصفاء كان النجاح مستحيل ..
في هذه الاثناء حضر احمد ومي ومروة بصحبة صفاء ..
قال امجد
- من اين عثرتم عليها
ردت مي بمرح صارم:
- احضرتها معدتها
ضحكت صفاء من اعماقها وهي تصافح ندى وتنظر إلى وسام وقالت والضحكات تتناثر حروفا :
- ذهبت لإحضار بعض الحلوى .. تباريك نجاح وهكذا
ورفعت علبة الحلوى بحركة انتصار ..
فهتف الجميع ..
دار الحديث حول الغيبة وأن الاصدقاء اصبحوا يمثلون حياة معظمهم وانهم افتقدوا بعضهم بعضا .. حتى قالت مروة بأنها لا تستطيع أن تواصل حياتها من دونهم ... وافقها الجميع وتمنوا لو أن أمجد كان بينهم ..
هنا برقت عينا صفاء وقد لحظها الجميع وهي تهتف برقة ::
جابر .... أين جابر .. لماذا لم يأتي وماهي نتيجته
جميع الاسامي الموجودة في هذه القصة والتي ورد ذكرها
هي من متن خيال الكاتب و ليست لها أي علاقة بالواقع
وإن كان هنالك تتطابق لهذه الاسامي مع الواقع
فالكاتب ليست لديه أي معرفة بهم...
والله على ما أقول شهيد
من تأليف : الصقور الجارحة
الحلقة الأولى
..............................
(صفاء) نقية الروح طاهرة الوجدان .. رقيقة الملامح ..عندما تسير تحرك حولها موجات الانسام تلامس كل روح حولها تزكمها بعطر الجمال وتلفها بحفاوة الوجود وتعمها ببشريات الحياة،
صفاء عندما تقف تسكن جميع العواطف مشدوهة بسحر الدلال ومفتونة لنبل الخصال ....
صفاء ... الكل يعرفها رغم سنتها الأولى.. حارسات الباب .. بائعات التسالي ... موظفو الجامعة .. الدكاترة والمحاضرين ... الطلبة اقرانها ومن هم غير ذلك ....
صفاء تبتسم للجميع .. والجميع يبتسم لها .....
في قاعة الدرس كلها انتباه وتطفر من عينيها الجميلتين نظرة الجدية والهمة والمثابرة .. ويتحرك قلمها بوداعة اناملها في احضان كفها البض بسلاسة على دفترها المنسق يضع ما يُلقى عليها من دروس بكل رشاقة وهدوء تتحرك يدها المشعة .
صفاء .. تصغى بكل حواسها لزملائها ومقلتاها متوهجة بابتسامة ساحرة تجبر المتحدث على اختيار انقى الكلمات وارقى المواضيع ...
لا تتتحدث كثيرا صفاء .. وعندما ينتظرها الجميع بشغف أن تتحدث تخرج كلمات نادرة وضاحكة .. كانت تضحك وهي تتحدث .. تلاقى الناس بترحاب وشوق كبير وتسأل عن أحوالهم .. وربما قد يكون الفراق بضعة ساعات ..
صفاء تشرق لها القاعات والردهات .. تضج لها الساحات والاماكن ...
وضاءة الجبين مشرقة الوجه .. ممشوقة القوام ... عندما يضايقها الوقت .. تسرع في مشيها كأجمل ما يكون الاسراع متأبطة حقيبتها الصغيرة ومحتضنة دفترها الانيق .. وعيناها لا يفارقان مكان اقدامها تحرك كل الحواس حولها تشع لها القلوب وتهفو لها ... وعندما ترافق زميلاتها ببطء تنثر البراح و تلهم الخيال.
تشتاق القلوب لها عندما تتأخر ...
الضجر يملأ النفوس والأماكن عندما تغيب ...
الكل يفتقدها الناس والطقس والشجر .. يغيب الحبور ويُرهق السرور .. تفتقدها القاعات و الساحات ويقسى الظل والحرور ..
و(جابر) البرئ يسأل عنها كل الصحاب .. سارة ومنال .. ندى ومي رؤى ومروة وسهام .. يبتسم امجد ويضحك احمد وينظر غير عابئ وسام ..
جابر يحب الناس .. يطوف بكل أريحية وسط الزحام يصادق ويلاطف ويصاحب ويقتحم الجماعات دون استئذان .. يستمع ويناقش .... وغالبا يهان...
نظرات متأففة واقوال لاذعة ... ابتسامات صفراء وتعاليق ساخرة ... ينفجر البعض بالضحك .. يغتاظ البعض ويرثى اخرون ... وهو يبتسم في أنزواء ...
لا يغضب .. لا يثور .. لا يحقد .. فقط بإطراق يبتسم في إنزواء ..
يعود في اليوم التالي مشرق الوجه بابتسامة اريحية لكل من يجده وعيناه تضجان بالسرور ويسأل ويبحث عمن يفتقده بكل مرح وقلق ... يلاقي الود بكل انشراح ولا يعبأ بالجفاء ولا يعاني التحاشي من البعض ... ويجد العذر لك شخص
.............................................................................................
كان امجد يحب جابر كثيرا .. ولكنه كان يحتار في امره حيث لا يعقل بأن يكون بهذ السذاجة حتى لا يفهم بأن البعض يستهزأ به ويسخر منه ولا يمكن أن يكون غبيا حتى لا يدرك بأن بعضهم يذدريه بكل وضوح ...
قال له امجد ذات يوم : كيف ترضى لنفسك بأن يهينك زميل ولا ترد عليه..
قال امجد هذا الكلام بسبب غضب عارم عندما رأي بعض الاشخاص أستمرأو التعليق على ملابس جابر بكلمات جارحة وضحكات مستفزة ..
وكاد امجد أن ينفجر من الغيظ عندما رأي رد فعل جابر وهو يطرق ببصره بهدوء إلى الارض ... وأستأذن الجميع بالانصراف ...
وعندما لحقه امجد وقال له ما قال ....
ابتسم جابر ونظر إلى امجد رافعا كتفيه ويديه ببساطة ... وانصرف في حال سبيله ...
في اليوم التالي كاد أن يصعق امجد وهو يرى جابر يتحدث معهم ويسأل عن بعضهم ..
ربما لاحظ امجد وبقية الزملاء.. بساطة وقلة ملابس جابر التي تعاني القدم وهي تلتصق بجسده النحيل كأنهما يواسيان بعضهما بحنو .
ولكنهم لا يجدون بساطة روحه وسمو طبعه .. وطيبة قلبه..
عبر جابر عن قلقه من تغيب صفاء ليومين اثناء تدارسهم بعض الدروس بصوت مرتفع وتسأل إن كان احد يدرك ما بها ...
امسك امجد بيده برفق ودنا فاهه إلى اذنه قائلا بهمس (لا يمكن أن تسأل عن الفتيات لتغيبهم يوما أو يومين .. ياجابر) ... لا تحرجنا ...
.................................................................................................... ...
الحلقة الثانية
عبر جابر عن قلقه من تغيب صفاء ليومين اثناء تدارسهم بعض الدروس بصوت مرتفع وتسأل إن كان احد يدرك ما بها ...
امسك امجد بيده برفق ودنا فاهه إلى اذنه قائلا بهمس (لا يمكن أن تسأل عن الفتيات لتغيبهم يوما أو يومين .. ياجابر) ... لا تحرجنا ...
.................................................................................................... ...
كان جابر في أغلب الاحيان ينظر بإعجاب لزملائه وهم غارقون في النقاش .. كان اسلوب جديد عليه كليا فهم يتناولون مواضيع شيقة متعلقة بالفن والسينما وجديد الافلام كأن احيانا يفغر فاه متعجبا من هول وكمية الافلام التي يعرفونها وهو لم يسمع به ابدا في حياته بل انهم يناقشون مضمونه من خلال شخوصه وابطاله ..
لم تخفي مي اعجابها بفيلم van damme ووافقها في ذلك أمجد وتجاذبا اطراف الحديث عن مشاهد رائعة وعبارات جميلة اما وسام فقال بإقتضاب .. إنه فيلم جيد ولكن الأروع هو فيلم maximum risk واخذ يتحدث عن براعة الحبكة الدرامية مع المشاهد الحركية واسترسل في ذلك مع مداخلات مروة ومنال .وامجد ..
كانوا يبدون أرائهم بكل وضوح حول مختلف القضايا ... ولكن كان اكثر حديثهم يدور حول فيديو كليب هذا وذاك ...
كان جابر يجول ببصره حول هذا وتلك بكل شغف وابتسامات متكررة .. كان يعجبه ذلك .. ادرك بأن اصحابه رائعون مهتمون باشياء كثيرة ولهم فيها دراية وأراء ..
كانت دردشتهم تخرج بتلقائية وعفوية موضحة المكنون الرهيب من الثقافة الفنية و العامة الذي يتمتعون به ..
جابر لم تتح له ظروفه الحراك في عالم الافلام والاغاني والفضائيات .. كان لا يعرف عن الافلام غير فلمان هنديان أو ثلاثة ادخله خاله السينما في صباه .. ويتذكر كيف خرج وهو متأثر بكل احداث الفلم التي جرت .. لقد كان يرجع للخلف على كرسيه حتى لا يلحظ خاله دموعه المنهمرة اثر مشهد مؤثر يعبر عن تضحية تجمع بين صديقين... وكيف كاد أن يجهش بالبكاء عندما مات احدهم وهو على صدر الآخر
وكيف كان يصفق مع الجموع لأنتقام الصديق لصديقه ..
وكيف أنتشى عندما رقصت البطلة الفاتنة على الحان بطلها العاشق ..
عندما اردا جابر في بعض الاحيان أن يقحم فلمه المفضل هذا في معرض مناقشاتهم .. نظر إليه وسام مستغربا .. فيلم هندي .. يا لك من خيالي .. واطلق ضحكة تجاوبت معها بقية المجموعة ...
عندها احجم جابر عن المشاركة واقصر دوره على التلقي ...
ولكن ...
عندما تنعطف الاحاديث وتتجاذب اطراف الروايات والقصص .. يظهر هنا جابرا بعفوية ملفتا انظار الجميع إلى الكم الهائل من الكتب التي قرأها ومعرفته الدقيقة بتفاصيلها التي تجلت عند شرحه لشخصية مصطفى سعيد في رواية موسم الهجرة إلى الشمال وانه بأشد المعجبين بالطيب صالح والبير كامي التي تجلت فيه قدرته الخيالية في الغوص داخل الطباع عن طريق كتابه الغريب ... وغيرهما من المؤلفين العالمين
كان جابر يتحدث بكلتا يديه وعيناه تومضان ببريق ينم عن صدق اعتقاده وتأثر مشاعره ..
رأي زملائه إن جابر شخصية غريبة تنسج بين البساطة والعشوائية وسهولة التعامل وبين عمق الفكر وتهذيب الخواطر وغنى الروح.
...............................................................................................
مرت الايام والاسابيع سريعة ... وكل يوم تئن دفاتر الطلاب من هول العلوم والمطلوبات ..
وفي الاسابيع الاخيرة لعامهم الأول .. كان الجميع بين رهبة القاعات وصمت المكتبات .. في إنشغال
تحولت المناقشات العابرة إلى شروح دراسية واستذكار .. وتسأول وأجوبة ..
البعض مازال يملأ المكان بغير اهتمام .. ينظر إلى الأخرون ببلاهة ودون حياء ..
أما اكثرهم فكانوا يتناولون طعامهم واعينهم مسمرة على كتبهم ودفاترهم ...
كان معظم الطلاب يقرأون من دفاتر صفاء بعد ان تم نسخها لعشرات النسخ ..
كان خطها الجميل وتنسيقها الأنيق وتلخيصها لمعظم المحاضرات هو طوق نجاة لكثير من زملائها .. كما كانت لا تتورع عن مساعدة زميلاتها على استذكار بعض ما يجدهن عسيرا .. وكانت تمنح الاجوبة والشروح لبعض الزملاء بكل هدوء ودون مغالاة ..
كانت غارقة في دروسها ودفاترها ومع زميلاتها ...
بالرغم من أن امجد كان أقل اصدقائه اهتماما لكنه كان اكثرهم ذكاءً ونبوغا ..
كان يقضى بعض الوقت في لعب البلياردو وقراءة الصحف .. واغلبه في شرح الدروس والاستذكار مع اصدقائه.
مر امجد على ردهات وساحات الكلية .. فوجد اصدقائه يلتفون حول صفاء وهي منهمكة بالشرح بعبارتها اللبقة واسلوبها الجاد والبسيط والذي كان يستوعبه الجميع بشراهة ..
أصدر أمجد اصوات متنحنحة لافتا انظارها إليه .. ولكنها كانت مستغرقة في أيصال فكرة عن كيفية حل مسائل بعينها عندما تواجه عبارات معينة وما المراد من ذكر بعض العبارات و....و..
هنا فرقع امجد اصابعه بصورة تشابه حركة التلميذ .. فرفعت صفاء رأسها عن ورقها بنظرات مستغربة ومتسائلة عن مصدر الصوت .. ولكنها سرعان ما بان عليها الارتياح عندما وجدته امجد وابتسمت له ..
وبادر معتذرا بأنه لفت نظرها معللا بأن الجميع يبدون في حالة إنشغال تام :
قالت بكل لطف واهتمام و يديها على اوراقها : لا لا لم الحظ وجودك ..
عفوا: كنت أسأل عن جابر .. لم التقيه منذ فترة .. فقط اشاهده لماما في القاعة وبعدها يختفي .. تسأل امجد
هزت صفاء راسها نافية وهي تبتسم معتذرة ونظرت لمن حولها
فبادر وسام بالرد : جابر له فترة من القاعة للمكتبة ومن المكتبة للمنزل ..
غالبا ما تجده في المكتبة ..
انصرف امجد وهو في طريقه إلى المكتبة بعد أن شكر وسام ...ووعدهم بالرجوع إليهم حال فراغه من جابر ...
عاد امجد لأصدقائه ودروسهم وهو شارحا تارة ومستفسرا تارة أخرى ... ولم يسأله احد إن كان قد وجد جابر أم لا....
.................................................................................................
أنشغل الجميع بدروسهم باقي الايام ... وآثر البعض المكوث في المنزل في فترة الراحة للأمتحان ...
...........................................................................................
بعد عدة أسابيع تواردت الانباء بأنه قد تم تعليق النتائج على لوحة الكلية ...
كان وسام أول الواصلين إلى الكلية وقام بنشر وإرسال نتائج اصدقائه الذين لم يحضروا بعد .. وكان سعيدا وهو يزف نجاحهم طالبا منهم القدوم إلى الكلية احتفالا ..
وفي اليوم المتفق عليه
التقت ندى بوسام قائلة وهي تبتسم : يا وجه الخير والفأل الحسن ..
- يشرفني ذلك بأن أكون أول المهنئين
- هل جاء احد
- نعم هنالك احمد ومي ومروة .. ذهبوا لاحضار بعض الطعام
- وصفاء
- صفاء قالت انها سوف تأتي ..
- هل امجد حضر
- امجد يا سارحة .. في تركيا .. اجازة ومن هذا القبيل
- تركيا ... مرة واحدة
- اتصل وبسلم على جميع الاصدقاء وببارك ليكم النجاح .. فردا فردا ..
- لا ادري ولكن من غير امجد وصفاء كان النجاح مستحيل ..
في هذه الاثناء حضر احمد ومي ومروة بصحبة صفاء ..
قال امجد
- من اين عثرتم عليها
ردت مي بمرح صارم:
- احضرتها معدتها
ضحكت صفاء من اعماقها وهي تصافح ندى وتنظر إلى وسام وقالت والضحكات تتناثر حروفا :
- ذهبت لإحضار بعض الحلوى .. تباريك نجاح وهكذا
ورفعت علبة الحلوى بحركة انتصار ..
فهتف الجميع ..
دار الحديث حول الغيبة وأن الاصدقاء اصبحوا يمثلون حياة معظمهم وانهم افتقدوا بعضهم بعضا .. حتى قالت مروة بأنها لا تستطيع أن تواصل حياتها من دونهم ... وافقها الجميع وتمنوا لو أن أمجد كان بينهم ..
هنا برقت عينا صفاء وقد لحظها الجميع وهي تهتف برقة ::
جابر .... أين جابر .. لماذا لم يأتي وماهي نتيجته