مع فراغ المدرجات من الأعلام الحمراء : هل الجمهور الأهلاوي أيضاً ليس طرفاً ؟
منذ عام و أكثر إنخفض عدد جماهير الأهلي في الإستاد بشكل كبير، مع أن الواقع لم يتغير، فالفرق هي نفسها في الدوري العام بل أقوى من السابق ، مع الإختلاف أن الزمالك دخل في دوامة تخبط إداري أثرت على أدائه و إستقراره، لكن في الإجمال فجمهور الأهلي عدده لا يزال كما هو، لنفاجأ بأن مباراتين كنا في السابق نتسابق كي ننال تذكرة دخول الإستاد لحضورهما، أصبح الأهلي "يتحايل" على جماهيره للحضور كمباراة بنفيكا و روما.
هناك أكثر من سبب "قد" يكونوا أساس هذا الغياب الجماهيري و هو كأي تحليل يعتمد على الخطأ و الصواب فيه، و قد تدخل فيه عوامل إجتماعية لا تمت بالرياضة كواقع الحياة و مشاكلها الذي يترتب عليه ما يحدث و لا أريد أن أدخل في هذه النقاط، لأن ما يدفعه الكثيرون على القهاوي و "الكافيهات" أكثر بكثير من قيمة التذكرة.
فهل أخذاً بالقول المأثور لإدارة الأهلي: الأهلي ليس طرفاً أصبح جمهورنا أيضاً ليس طرفاً ؟
النقطة الأولى يعلمها من يذهب إلى الإستاد في مباريات جماهيرية كالزمالك و الإسماعيلي و برشلونة و خلافه. فيتحمل الجمهور ما لا يتحمله جائع في إنتظار الرغيف. فيتم إحضاره قبل المباراة بستة ساعات في عز الشمس و الحر و المطر و كل الظروف الجوية. و يتم رصه بالطوابير على الأبواب للتفتيش و يتم أخذ كل ما يمت بالتشجيع بصلة. فتؤخذ الأعلام و تقمع اليافطات ذات الدم الخفيف "أمال رايحين ليه" و يترجى المشجعون رجال الأمن للسماح لهم بإدخال أساليب تشجيع حديثة و مبتكرة تحملوا كلفة كبيرة من أجلها.
بإختصار أصبح دخول الإستاد و تشجيع فريقك هو نوع من أنواع المعاناة الكبيرة، بينما نقرأ أن جمهور الخليج و أوروبا يدخلون الإستاد قبل البداية بنصف ساعة و يقومون بالجلوس في مقاعد مرقمة، و يمرون من أجهزة تفتيش عن الأسلحة البيضاء و غيرها فقط، بالإضافة للزجاج. مما يجعل تجربة الذهاب لأي مباراة جماهيرية تجعلك تصاب بصدمة "تقرفك" عن الذهاب لأي مباراة و يصبح منظر الإستاد جالباً للكوابيس مع أن هدف الرياضة و كرة القدم هي التنفيس عن ضغوط الحياة و ليس العكس.
و النقطة الأولى يتحمل مسئوليتها المجلس الأعلى للرياضة الذي يتوجب عليه إيجاد حلول تعطي حرية أكبر و سهولة للمشجعين و ليس العكس.
و النقطة الثانية قد تكون لأن جمهور الأهلي أصبح متشبعاً بالبطولات منذ أعوام، و أصبح مؤمن أن كعبه أعلى بكثير من كل الفرق المحلية في البطولات المحلية، و أن منافسته فقط في أفريقيا و ليس في مصر، و يكفي أن يشاهد المشجع المباراة المحلية في البيت و هو مرتاح بدلاً من "مرمطة" الإستادات. مع أن فريق كمانشستر يونايتد فاز بألقاب الدوري لسنوات متتالية، كان الحضور الجماهيري في مبارياته المحلية "كامل العدد".
و النقطة الثالثة: هي تغييب الفرق الجماهيرية الأخرى، فالجمهور يرغب أيضاً أن يواجه بجمهور ليتنافس معه على التشجيع كما يحدث في مباراة الزمالك و الإسماعيلي و المصري. و مع صعود أندية تنعدم إلى الجماهيرية كالمصرية للإتصالات و بتروجت و أندية الجيش و الشرطة الذي يتم إحضار جمهورها من القطاع المسلح بالأمر، فيجد الجمهور نفسه مشجعاً بمفرده بدون أي رد و هو عكس ما كان يحدث في الماضي عندما كانت فرق كالمحلة و المصري و الإتحاد و السويس تتنافس على المراكز المتقدمة، فأصبحت الآن تنازع للبقاء لعدم توفر السيولة المادية للمنافسة بالإضافة إلى الفساد الإداري فيها.
أما النقطة الرابعة و هي المستحدثة في نظري و بدأت منذ نهاية العام الماضي، و هي إتساع الفجوة بين إدارة الأهلي و الجمهور. و لنفند هذه النقطة بشكل صحيح بدون إجحاف في حق أحد. إدارة الأهلي نجحت في إستقطاب أسماء كبيرة من اللاعبين تشرف النادي، و نجحت في إقتناص 90% من البطولات التي تتنافس عليها و هو نجاح لم تحققه أي إدارة في مصر أو أفريقيا أو الشرق الأوسط و هو مفخرة لكل أهلاوي. و نجحت في أن تدير دفة النادي بإستقرار كبير نحسد عليه "و خمسة و خميسة من عيون الحساد و ما أكثرهم". و لكن...الإدارة لم تعطي نفس الأهمية لجماهيرها.
فجمهور الأهلي معتز بأشياء كثيرة، كتاريخه و مواقفه و مبادئه عبر الأزمان، و رجاله بداية من سعد زغلول و مختار التتش و صالح سليم. و يعتبرون الأهلي ملكهم و أغلى ما لديهم بعد وطنهم و هو الشيء الأجمل ضمن واقعهم الصعب. فأصبحت الجماهير تشعر أنها بمفردها و الإدارة غير معنية بأمورهم.
فلم تهتم الإدارة بتنظيم موضوع الروابط و الإجتماع بهم، و تنسيق أعمالهم: مع أن الفرق العالمية تعتبر أن روابط مشجعينها هي الدم الذي يتم ضخه في المدرجات. فيتم توفير كل شيء لهم من مقاعد مخصصة لهم، و سهولة في دخول الإستاد من مداخل خاصة، و يتم تنظيم شئونهم بشكل يمنع أي عامل للعنف، أو مهدد للأمن. و عندما يتم الإخلال بهذا كما حدث في إيطاليا يكون العقاب بالحرمان من مشاهدة المباريات. بل على العكس، أصبحت الروابط تعامل كأنهم خارجون عن القانون و كثيرون منهم كان عليه أن يدخل الإستاد متخفي كمشجع عادي. و بدلاً من وضع أسس للروابط الذين يتكلفون من إمكانياتهم المحدودة إبداع دخلات و تشجيعات رائعة. أصبح الكثير مستهدف بمنعه من الحضور. و حتى لو أخطأ البعض، فالخطأ كان بدافع عشق الأهلي، و لا يكون جزاء عشق الفريق إهمالهم بهذا الشكل.
و لم تهتم الإدارة بالحالة الإجتماعية للكثير من جمهور الأهلي، فأصبحت الأسعار حكراً على طبقة إجتماعية واحدة تستطيع أن تقتطع عشرين إلى ثلاثين جنيهاً أسبوعياً من ميزانيتها و هو كماليات غير قادر عليها الكثير من مشجعي الأهلي و هي الطبقة الأهم. لأنهم من يعشق الأهلي لحد تحمل كل المتاعب للوصول إلى الإستاد. و بدلاً من التمثل بأوروبا بمقاعد لا تتجاوز العشرة يورو أو جنيهاً إسترليني و هي كقيمة شرائية تتناسب مع عشرة جنيهات. نجد أن الأسعار "ولعت". و لم يتم معالجة هذا الموضوع مع أن الجماهير إشتكت كثيراً من هذا.
و يضاف إلى هذا، عدم إعتبار الجماهير في مباريات هامة كبرشلونة و النجم الساحلي و ترك السوق السوداء تتحكم بالمشجع لتصل أسعار بعض التذاكر إلى "100" جنيه للثالثة هذا و إن وجدت. و لم تضع الإدارة نظاماً خاص ببطاقات موسمية كأوروبا و هو ما سنتحدث عنه في تقارير لاحقة.
و من ثم تلقت الجماهير هذا العام أكثر من "صدمة" جماهيرية. بدءاً بعدم حزم إدارة الأهلي في أخذ موقف قاسي من قضية الحضري، مما وضعها في موقف الضعيف. للتوالى الأيدي السوداء في تكبيدها أكثر من ضربة كموضوع حسني عبد ربه و هاني سعيد، و التحدي الكبير الذي لم نشهده في تاريخنا من إعلاميين و أشخاص "كانوا" في يوماً من أبناء الأهلي. و إهانة الكيان "عيني عينك" و هذا كله و الإدارة إكتفت بالقول "نحن لسنا طرفاً". مع إن الجماهير كلها رأت أن الأهلي كان طرفاً و أن الأهلي نال الضربة تلو الأخرى و لم يهتم بالرد عملاً بأنه سيرد في الملعب و يفوز. لكن من يعيد "هيبة" الكيان ؟ فكل الفرق سيأتي يوماً و تخسر و يبقى تاريخها و كيانها الذي يدفع جماهيرها للم الشمل و العمل لرفع النادي و الكيان مرة أخرى. فجمهور الأهلي لم يحزن عندما تم حرمانه من المشاركة في أفريقيا مع قرار صالح سليم. لأن القرار كان من أجل كيان الأهلي. و فاز الزمالك أفريقياً و خسر محلياً من الأهلي سبعة سنوات، لتجعل بطولاته في التسعينات ناقصة، و ينقصها التغلب على البطل الأهلي.
و لم يخاف جمهور الأهلي عندما قررت الإدارة اللعب بالناشئين أمام الزمالك الرهيب أبانها، و ملأت الإستاد و هي مستعدة للخسارة بنصف دستة على الأقل، ليتم مكافأتها بفوز هو الأروع. كما لم يخاف الجمهور عندما إنسحب الأهلي من الدوري أثناء أزمة مباراة المحلة لأن الأهلي كان على حق، و تم حل الموضوع و إعطاء الأهلي حقه.
أما الآن، فجماهير الأهلي تجد نفسها فائزة ببطولة تلو الأخرى و نجاح تلو الآخر لكنه بدون طعم مؤخراً لأنها و على قول الجماهير أن أسلوب إدارة القضايا الجماهيرية لهذا العام كان خاسراً بجدارة، و هي قضايا تجعل الجمهور يشعر بقرب إدارة الأهلي له و معرفتها بأهمية إرضائه و ينتشر مثلاً بين الجمهور أن قرارات الإدارة جعلت "القوالب نامت و الإنصاص قامت"
و تأتي قناة الأهلي التي إنتظرناها كثيراً لتجحف حق جماهير الأهلي في العالم. فتم حرمان العديد من الأهلاوية في العالم من متابعة مباراة الأهلي و روما لأنهم في بلد لا يستطيع إلتقاط قمر "النايل سات" . و لم تضع الإدارة في حسبانها أن تقوم أي محطة أخرى بتغطية المباراة حتى لا ينحرم ملايين الأهلاوية في العالم من مشاهدة المباراة. و قد يكون هذا من قبل الحظ السعيد لهم حتى لا يروا مدرجات الأهلي في مباراة تاريخية أمام وصيف الدوري الإيطالي و أحد أفضل 10 أندية في العالم الآن و هي فارغة غير من 10-15 ألف مشجع و يكفي خيبة الأمل على وجه جوزيه و هو ينظر إلى المدرجات غير مصدقاً غياب جمهور الأهلي عنها. و هو الجمهور الذي وافق البرتغالي على البقاء من أجله.
ويقع جمهور الأهلي حالياً في حيرة فهو يحب أعضاء هذا المجلس و يحترم إنجازاتهم و لكنه يرى إجحافاً كبيراً في حقه كجمهور هو الأوفى في العالم "على الأقل في نظرنا كأهلاوية" و قد يكون ما يحدث من غياب جماهيري هو ردة فعل لكل هذه الصدمات نهاية بصدمة عبد ربه التي إستمرت عاماً مع دعم جماهيري كبير لتنتهي على "فاشوش" بفيلم كأفلام حسن الصيفي.
و يجب على إدارة الأهلي إعادة تنظيم أمورها من ناحية جماهير الأهلي فيتم وضع أساليب جديدة لتحسين دخول الجماهير إلى الإستاد. و التعاطي بشكل آخر مع الروابط و تسهيل أمورهم، بل و إعطائهم مميزات تجعل من الجميع يرغب في التشجيع كما شهدنا منذ عامين حينما كانت الروابط في قمة مجدها.
و يجب على الإدارة أن تعيد حساباتها في قيمة التذاكر فإذا إشتروا 10 آلاف مشجع تذاكر بمعدل 30 جنيه يكون الربح أقل من شراء 50 ألف مشجع لتذاكر بمعدل 15 جنيهاً و الرابح سيكون الإدارة و الجماهير و اللاعبين الذين "كثر خيرهم بيفضلوا صاحيين ضمن فراغ المدرجات"
كما يجب على الإدارة ألا تنظر لموضوع قناة الأهلي كنوع من الربح الإضافي لها، بل كنوع من كسر إحتكار و جشع الفضائيات التي ترغب في إستغلال شعبية الأهلي ل"مص دم" جماهيره التي أغلبهم من الطبقة ما دون المتوسطة. بل على العكس يجب على الإدارة أن تستفيد من قيمة الإعلانات على القناة، مع محاولة جعلها مجانية على الأقل لحين تنظيم شأنها لعدم حرمان جمهور الأهلي من متابعة مباريات فريقه.
كان يجب علينا فتح هذا الموضوع قبل بداية الموسم لعل و عسى صوت الجماهير "يسمّع" لأننا لا نقبل أن تكون سمعة الأهلي أمام فرق إيطالية و عالمية أنه "لا جمهور له"، و أن فرق اليابان و الخليج قادرة على ملأ الملعب بشكل أكبر بأضعاف أضعاف ما حدث في مباراة روما، فنحن لا نزال الجمهور الأكبر في الشرق.
و نتمنى أن تكون مباراة الأمس هي "آخر الأحزان و أن يعود جمهور الأهلي "طرفا" كما كان طوال تاريخه المئوي.